الشرق الأوسط
TT

ليبيا.. المصالحة الوطنية هي الحل

ما نراه ويراه العالم اليوم في المشهد السياسي الليبي، من توتر أمني وخلافات سياسية ومخاطر مواجهات قبلية ومطالبات مناطقية، حال تفاقم جمود العملية السياسية بين الكتل والأحزاب والتيارات الدينية في «المؤتمر الوطني» الذي كان من المفترض أن تنتهي فترته الانتقالية في السابع من هذا الشهر. وهو ينذر حقا بأن تتجه الأمور في ليبيا نحو مزيد من الانهيار والتفكك والفوضى، بعدما بدت البلاد متماسكة نسبيا زمن القبضة الحديدية في عهد النظام السابق.
إلا أن ذلك التماسك كان مصطنعا، ولعل النظام السابق يتحمل الجانب الأكبر من هذا الخراب الذي يعصف بليبيا، بعدما تعطل إنتاجها الفكري والسياسي والأدبي منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وبالذات منذ عام 1977 عندما شرع القذافي في تطبيق «الكتاب الأخضر» عمليا، وفي كل المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وبعد ذلك أكمل النظام السابق الانهيار عام 1993 إثر محاولة التغيير الجريئة التي قادها ضباط في الجيش الليبي في أكتوبر (تشرين الأول) فحل القذافي الجيش، وبدأ يعزف على مصطلح «الشعب المسلح».
هذا كان عصرا وانتهى. أما اليوم فقد أتيحت لليبيين فرصة نادرة ما كانوا يحلمون بها قبل أكثر من سنتين، لكنهم - مع الأسف - لم يستغلوها استغلالا سديدا، بل طفت على السطح آلام الماضي وثاراته. فليبيا ما زالت في بؤرة الخطر، وما يجري في ردهات «المؤتمر الوطني» الليبي يسير ضد رغبة معظم الليبيين. وحقا عبر الليبيون عن هذا عبر مظاهراتهم المتعددة في طرابلس وبنغازي رافضين مساومات الكتل السياسية الكثيرة، إضافة إلى التيارات الدينية التي تريد أن تفرض مرئياتها على البقية، والميليشيات التي تفرض إرادتها ليس فقط على الشوارع، بل حتى على الساسة أنفسهم. وهذا ما نراه واضحا في مهاجمة المباني الحكومية، والعقبات التي تعترض رئيس الوزراء علي زيدان الذي يسعى للخروج من هذا النفق.
ولكن حتى وسط هذا الوضع الملبد بالغيوم، ما زالت الفرص متوافرة لإنقاذ ليبيا من ورطتها والخروج بها إلى بر الأمان، ولعل الفرصة الأولى والأهم تتمثل في الدعوة لعقد مؤتمر جامع وعاجل للمصالحة الوطنية الشاملة. ولا بد أن ينطلق السعي إلى «المصالحة» من «المصارحة» لكي يتمكن الجميع من تناسي آلام الماضي التي تصر بعض الأطراف على استرجاعها للمتاجرة، والترفع فوق مستوى الأحداث، والنأي بالنفوس عن الخلافات، ووعي حقيقة أن ليس هناك رابح أو خاسر. وهذا حتما يقضي بالعمل جديا على حل الميليشيات جميعا وجمع الأسلحة، ولو تطلب الأمر الاستعانة بقوات أممية.
الوقت ليس في مصلحة ليبيا ولا الليبيين، وهذا يعني التحرك بسرعة لبناء أجهزة سلطة يحترمها الجميع، وتتمتع بتمثيل واسع، وهي وحدها ستكون كفيلة بإنقاذ البلاد من وضعية «الدولة الفاشلة». ثم إن التحرك السريع من شأنه قطع الطريق على الأيادي الدخيلة على الشأن الليبي، وعلى نشاط الجماعات المتطرفة، دينيا ومذهبيا وعرقيا، التي تسعى لخدمة مشاريعها الخاصة على حساب الصالح الليبي العام وسيادة الدولة وازدهارها. ليبيا تتسع لكل الليبيين، فلا يمكن لأحد إقصاء أحد، كل ما ينقصها هو إرادة ساستها وتصميمهم على النهوض بها ونسيان خلافاتهم ونزاعاتهم، وأن يعلنوا أن ليبيا فوق الجميع.