د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

موائد اللئام

يروى أن فتاة هندية كانت تتعهد ثعباناً صغيراً بالرعاية والاهتمام في منزلها حتى كبر. وكان يأكل يومياً مما تطعمه، ويلتف حولها طلباً للدفء ومداعبتها وهو ما زاد من حبها له. ثم توقف الثعبان فجأة عن تناول الأكل، الأمر الذي أثار قلق الفتاة فأخذته إلى الطبيب وشرحت له حالته.
فقال لها الطبيب: إن هذا الثعبان الذي بلغ طوله أربعة أمتار، وينام يومياً إلى جانبك ليس مريضاً بل في الواقع يتعمد تجويع نفسه، ويلتف حولك لقياس حجمك وطولك.. استعداداً لالتهامك! هنا صعقت الفتاة وهذا ما حصل فعلاً في قصة يُروى أنها حقيقة.
ما يهمنا في هذه الحكاية أن هذا السلوك المشين ليس مقصوراً على الثعابين، فهناك ثعابين بشرية تعيش بيننا، نحسن إليهم لكنهم يضمرون لنا البغضاء والحقد والحسد والضغينة.
وهذه مشكلة تؤكد أن المرء لا يستطيع أن يغير سلوك الآخرين، لأنهم ترعرعوا منذ نعومة أظفارهم على موائد اللئام.
وهذا ما دفع الرجل الذي اكتشف أن العبد (الأبيض) الوسيم الذي رباه حتى بلغ أشده، قد خانه مع ابنته، فقال بحنق المثل الشهير «سمّن كلبك يأكلك» وهي«الصيغة الثانية» من مثل «جَوِّع كلبك يتبعك».
مشكلة الذين لا يثمّنون ما يقدم لهم من معروف، أنهم لن يصبحوا محل ثقة. فكم من مسؤول منح صلاحيات مطلقة، فنكث بمن منحه الثقة العمياء، فعيّن المتردّية والنطيحة في العمل لمصالح شخصية ضيقة، وأقصى الأكفاء وقرب المطبلين من حوله، واختلس أو ظلم أو طبّق سياسة فرّق تسد التي لا تصلح للعمل الإداري.
حينما يخون المرء مَن أحسن إليه من أفراد أو مؤسسات، فلا بدّ أن يتوقع رد فعل حازماً يفجعه. فلا يعقل التهاون في أمر مَن يقتات على الشرّ وينشره بين الناس.
الذي يستحق التقدير هو من يثمّن المعروف ويبادل الإحسان بالإحسان. أما اللئيم فلا يفقه معنى هذه الفضيلة الاجتماعية، ولذا فهو ينطبق عليه قول المتنبي:

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا