نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إسرائيل... «كورونا» والقار ومحكمة الجنايات

عدة أحداث وقعت على إسرائيل في وقت واحد، بعضها مشترك مع الآخرين وبعضها تنفرد به.
أقدمها وأشدها فاعلية هو «كورونا» المشترك مع العالم كله، والذي انطوى على خسائر فادحة في كل جوانب الحياة الإسرائيلية، ويُكثر قادة إسرائيل من القول إن نسبة الوفيات هي الأقل على مستوى العالم بالقياس لعدد السكان، ويتباهى نتنياهو ومَن معه بما يصفونه بإتقان عملية مواجهة الوباء بالحصول المبكر على اللقاح وتطعيم الملايين، غير أن كل ذلك حقيقياً كان أم دعائياً لا يلغي أن ثمناً باهظاً دُفع، وما زال الحبل على الجرار كما يقال.
ثانيها التلوث بالقار، ولقد تأذى البحر كثيراً منه والشواطئ. ولقد أدّت هذه المفاجأة البيئية الخطرة إلى حيرة في تحديد مصدرها، وظهر اختلاف بين مَن عدّها مجرد خطأ من سفينة عابرة ومن عدّها عملاً تخريبياً مقصوداً، ما يؤدي تلقائياً إلى فتح جبهة جديدة إلى جانب الجبهات التقليدية التي تحارب إسرائيل عليها أمنياً وعسكرياً وسياسياً.
وكل ذلك يعد في إسرائيل «المعتدة بنفسها وقدراتها» أمراً يمكن معالجته أو احتواؤه مع شكوك متزايدة في نجاعة المعالجة، وحين يكون الحديث عن تلوث وباخرة، فلا يجدر تجاهل حادث تفجير السفينة الإسرائيلية التجارية في مرفأ عمان والذي اتجهت أصابع الاتهام بشأنها ولو في وقت متأخر إلى إيران، ما يتطلب إجراءات إضافية لحماية السفن في البحار والمحيطات المفتوحة على خطر من هذا النوع.
ردود الفعل على السفن و«كورونا» والتلوث، رغم فداحة ما تنطوي عليه، بدت متواضعة أمام رد الفعل على قرار محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، لم يتوقف رد الفعل عند الرفض وإنكار مسؤولية محكمة الجنايات الدولية في أمر محاكمة إسرائيل، وإنكار حق الفلسطينيين في الشكوى لأنهم لا يمتلكون دولة! كما لم تتوقف الأمور عند الترحيب بالرفض الأميركي بالقرار بل تجاوز كل الحدود باتهام معظم دول العالم وشعوبه باللاسامية، وتهديد كل من أيّد هذا القرار بعقوبات مباشرة، وأول من يتوجه إليه التهديد على الدوام هم الفلسطينيون، فإنْ تعاونوا مع المحكمة فليستقبلوا عقوبات فوق العقوبات التي صارت جزءاً من حياتهم، أي إنه على الفلسطينيين الذين أرغمتهم إسرائيل بأفعالها على الذهاب إلى محكمة الجنايات أن يتراجعوا وأن يوجّهوا رسالة شكر إلى إسرائيل على حسن المعاملة!
اللافت في هذه الموقعة أن قليلين جداً في إسرائيل أشاروا إلى الدوافع وكانوا موضوعيين في تحميل إسرائيل مسؤولية حمل الفلسطينيين على الذهاب إلى المحكمة، إلا أن هؤلاء الذين يوصفون بالواقعيين والموضوعيين، عبّروا عن مواقفهم بصورة خفيفة تنطوي تحت عنوان رفع العتب، ذلك بفعل خوف جميع الأطياف الإسرائيلية من خسارة أصوات في الانتخابات الوشيكة.
لو كان هنالك عقل يعمل وليس مجرد التهديد بعقوبات تُتخَذ بحق الفلسطينيين، لَما كان الموقف الإسرائيلي على هذا النحو من الحدة والهستيرية، ولا حتى الموقف الأميركي لأنها تضلل نفسها وتضلل الآخرين بهذا الموقف.
معلوم في الموسم الانتخابي أن تصل الأمور إلى هذا الحد، إلا أن لوماً إضافياً ينبغي أن يوجَّه إلى الإدارة الأميركية الجديدة، التي بدل أن تدمج موقفها بالموقف الإسرائيلي كما يحدث غالباً، وها هو يحدث الآن، فما تستطيع تمييز نفسها به هو الكف عن القول إن الملف الفلسطيني الإسرائيلي ليس من أولويات الإدارة، وإن كل ما يمكن أن يُفعل هو العودة إلى ما كان الأمر عليه مع بعض النواقص أيام إدارة أوباما، فما كان الأمر عليه آنذاك والذي يجري تسويقه الآن ليس نموذجياً إذا ما تم تقويمه بالنتائج لا بالمواقف، فسواء كان قرار محكمة الجنايات سياسياً أم قانونياً فإن معالجة ما ينجم عنه هو أمر سياسي بامتياز إن لم نقل استراتيجياً، أما العقوبات التي تدرس إسرائيل أقساها كي توقِعها بالفلسطينيين المعاقَبين أصلاً فمن شأنها تأجيج الموقف ورفع وتيرة الاتهام بجرائم حرب إضافية، فهل تتبصر الإدارة الأميركية الجديدة في هذا الأمر أم تظل الدوامة تدور وتعصف بالضحايا بلا توقف؟