جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

هل الحشيش أكثر اخضرارا في الغرب؟

جاءت «زينة» إلى بيروت، فتحولت جلسات اللبنانيين إلى نشرات جوية، وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة للتهريج والتعليق وإظهار الاستياء من البرد القارس، وبالفعل كان الطقس باردا في بيروت وقارسا في الجبل، ولكن ما لا يفكر فيه العربي بشكل عام واللبناني بشكل خاص هو أن «زينة» ضيفة دائمة في الغرب على مدار أكثر من سبعة أشهر، ولا تبخل علينا بالزيارة حتى في عقر فصل الصيف.
القصة وما فيها هو أنني، وخلال زيارة قصيرة إلى بيروت، شعرت بأن المقولة الإنجليزية الشهيرة «الحشيش في الجهة الأخرى من السياج أكثر خضارا» (The Grass on the other side of the fence is always greener) صحيحة، ومعناها أن الإنسان يظن دائما أن الوضع أفضل في مكان آخر؛ فاللبنانيون يتطلعون إلى الهجرة والعيش في البلدان الغربية. وعندما يعرفون أنك تعيش في الغرب يحسدونك ويقولون: «نيالك».
ولكن دعوني أقم بمقارنة بسيطة لأثبت لكم أن درجة اخضرار الحشيش هي نفسها أينما كان.
أنا أعيش في لندن، مدينة الثقافة والفن والجمال.. و«الضباب»، نعم الضباب؛ ندافع عنها ونقول: «لا، هذا الأمر مبالغ فيه فنحن نرى الشمس»، ولكن الحقيقة هي أننا فعلا لا نرى الشمس دائما، وفي فصل الشتاء لا نفتقد الشمس فقط بل نفتقد النور أيضا، وإذا ما قارنا شتاءنا بشتاء أهلنا في لبنان لوجدنا أن نهارهم أطول وساعات عملهم أقصر، ومسافاتهم ترحم علاقاتهم الاجتماعية، وتحافظ على روابطهم العائلية.
في لندن، وأتكلم عنها بالتحديد لأني أعيش فيها، تتحول إلى إنسان آلي مبرمج. أنا لا أقول إن اللبنانيين لا يعملون، لا، ولكن العوامل الجغرافية والمناخية تلعب دورا مهما؛ ففي لندن وعندما ننعم بمناخ دافئ في الصيف، لا نرى البحر، فنحن نشعر بالحرارة من دون أن نستطيع إطفاء لهيبها بالسباحة في بحر متوسطي دافئ، نعم توجد هنا شواطئ ولكن بمجرد أن تصل إليها تكون الشمس قد همت بالرحيل، ناهيك بزحمة السير، لأن فكرة السباحة لن تخطر على بالك في ذلك اليوم التاريخي.
في لبنان وعلى الرغم من العاصفة «زينة» وبردها، يستطيع الناس التوجه إلى المرافق السياحية الشتوية.. يمكنهم تحويل البرد إلى هواية ويوم يقضونه في أحضان الطبيعة، أما هنا في لندن، فنبرد ولا نتزلج ونشعر بالحرارة ولا نسبح.
في لبنان تعيش بين أهلك وذويك، هنا تتعرف على أصدقاء تجمعك بهم الغربة. أسمع دائما بعضهم يقول: «أنتم تعيشون في بلد فيه قانون» صح، ولكن تكلفة القانون باهظة الثمن، في لبنان أعشق الفوضى المنظمة فيه وشقاوته. أسمع بعضهم يقول: «في بريطانيا لديكم ضمان صحي بالمجان»، صحيح أيضا، ولكن ما لا تعرفونه هو أنك إذا احتجت - لا قدر الله - إلى عملية جراحية قد تموت قبل إجرائها بسبب الضغط الكبير على النظام الصحي المجاني في بريطانيا.
الحياة الاجتماعية تغيرت في لبنان، بحكم العمل والانشغالات، ولكن على الرغم من هذا فهي لا تزال موجودة، فلا أعرف عائلة واحدة من دون خادمة أو جليسة، هنا في لندن، تتفوق كلفة الجليسة على سعر وجبة العشاء في أفخم المطاعم البيروتية، وخروج البعض في لندن يقتصر على المناسبات الكبرى.
في لبنان يشكون من زحمة السير، في الغرب أيضا لدينا زحمة سير خانقة، ليس هذا فقط، بل إننا ندفع لقاء الوصول بالسيارة إلى وسط المدينة، لذا يتنقل غالبية الشعب بواسطة القطارات أو الحافلات.. المطاعم في لندن تغلق مطابخها باكرا، فعليك الإسراع وإلا فسيفوتك العشاء..
في النهاية قد يكون هم الأمن والأمان أكثر ما يشتكي منه اللبنانيون، وأنا معهم، ولكن من قال إن الغرب آمن مائة في المائة؟ فلم ننس رائحة التفجيرات في لندن، ونشعر يوميا بأن الوضع أشبه بقنبلة موقوتة، وهذا ليس وهما، إنه حقيقة تؤكدها الحكومة التي تحبط عمليات إرهابية يوميا.
قد لا تجوز المقارنة، ولكن ما أردت توصيله هو أنني على ثقة بأنكم إذا عشتم خارج بلدكم سوف تتحسرون على «حشيش» بلادكم بغض النظر عن لونه!