جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

لبنان باختصار

لم أقاوم فكرة السفر إلى لبنان رغم صعوبة الرحلة بدءا بفحص كورونا قبل السفر وانتظار النتيجة بفارغ الصبر والأخذ بالحسبان الساعات الـ72 التي يتعين عليك السفر خلالها وإلا فيذهب عناء الفحص المزعج، الذي يخدش البلعوم والأنف، والحجر المنزلي 14 يوما عند العودة.
السفر إلى لبنان وباقي الدول على لائحة الممر غير الآمن، معقد في زمن كورونا الذي غيّر الموازين وقلب القوانين، فعند وصولك إلى بيروت بالسلامة يستقبلك فريق آخر من الممرضين والممرضات في المطار، يتأهبون لغزو أنفك فقط لأن الفحص في لبنان أخف وطأة منه من لندن، وإذا كانت لديك نتيجة إلكترونية سارية المفعول للفحص الصادر في لندن، فتعلن براءتك وتمنح ورقة كتب عليها بخط اليد «لا حجر».
هذا باختصار السفر وعقباته الحالية إلى لبنان، ولكن ما أود أن أوصله إليكم الآن هو «لبنان باختصار» بعد الانفجار المروع الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس آب الماضي.
المشهد لا يمكن اختصاره لأنه شائك جدا ومعقد، فلبنان ووضع اللبنانيين لطالما حير شركات الأبحاث العالمية على أكثر من صعيد، لا سيما على الصعيد المادي والاقتصادي، فاليوم يحارب لبنان على أكثر من جبهة، بدءا بكورونا مرورا بالأمور السياسية والحكومية وانتهاء بالاقتصاد ووضع الليرة مقابل الدولار وما حل بالبلد وبأهله بعد التفجير الذي يعتبر أسوأ من أي حرب شهدها لبنان على مر السنين.
اختبرت في الأيام القليلة جدا التي قضيتها في بيروت، عدة أشياء. زرت مصرفا محليا وعايشت محنة اللبنانيين اليومية الذين باتوا يشحذون حقهم ومالهم من وديعاتهم المصرفية، وزرت المطاعم التي أصبحت تتهافت على الحصول على صدر الدجاج مع شح المنتجات في الأسواق وارتفاع أسعارها واحتكارها، مررت بمحاذاة المرفأ المنكوب والمناطق المحيطة المهدمة، المشهد مريب وأسوأ من الصور وما نشرته وسائل الإعلام لأنك سوف تشتم رائحة الموت والظلم، وعايشت أزمة كورونا وتبعاتها من إقفالات وقوانين غير مفهومة، والأهم هو أني خضعت لدورة تدريبية في درس الرياضيات باللغة العربية وأصبحت ملمة بقراءة عدد كبير من الأصفار بلمحة بصر، وليس هذا فقط بل تخرجت بدرجة جيد جدا في «تقريش» مصطلح متداول حاليا في لبنان ويعني صرف سعر الدولار وتحويله إلى ليرة والعكس، فلم أعد بحاجة إلى آلة حاسبة لأن الأرقام والأصفار تعششت في ذهني من كثرة سماع اللبنانيين يتكلمون عن الموضوع الذي أنساهم همومهم السياسية وتأييدهم زعماء معينين رغم رداءة الوضع الذي لا يفتح الشهية على الحب وتحديدا على حب أي زعيم.
والأمر المضحك والمبكي في نفس الوقت، هو تطبيق الإقفال والحجر على أصحاب المصالح والمواطنين، ففي شارع واحد معروف كونه من أشهر شوارع التسوق في بيروت، ترى الجهة اليمنى منه مقفلة لأن المحلات تابعة لبلدية تشهد حالات عديدة لكورونا أما الجهة اليسرى منه، فتفتح فيها المحلات بشكل شبه طبيعي، وهناك مناطق فرض عليها الإقفال التام ولكن سمح لأهلها بالتوجه إلى مناطق قريبة للتبضع لم أفهم العبرة ولكن... أغرب أمر هو أن المطاعم التي كتب لها الحظ واستثنيت من الإقفال، مكتظة بالناس، لا سيما المقاهي التي تقدم الشيشة وهنا لم أفهم قوانين كورونا أيضا، وفي وقت ترى أموال اللبنانيين محجورة في المصارف، وفقد أصحابها الأمل وتوجهوا لشراء العقارات بأسعار محروقة بما يطلق عليه حاليا في لبنان «شيك مصرفي، ترى الناس تقاوم المحن والظلم والسياسة المرة والفقر وانعدام فرص العمل... لتبقى الحياة تضخ في عروق اللبناني الذي لم يتذوق طعم الفقر في أسوأ الأوقات ولم يحرم من الأكل رغم الحروب المتتالية، ولكن العزيمة وحب الحياة وتحدي المصاعب لا يمكن لأحد أن يحرمه من عزة نفسه وعنفوانه ومرحه.
هذا هو لبنان باختصار