إميل أمين
كاتب مصري
TT

إعلان القاهرة... للّيبيين لا للمرائين

من هو المرائي في اللغة؟ إنه ذاك الذي يُظهر خلاف ما يبطنه، استراتيجيته تقوم على الخداع، وكما الأفراد، كذلك المؤسسات والدول.
لماذا يرتبط المشهد في ليبيا تحديداً بحالة المراءاة الأممية؟
ببساطة، لأن هذا هو الواقع، فلو أراد هؤلاء المراؤون على كثرتهم إنهاء المأساة القائمة هناك منذ عقد من الزمن لفعلوا، لكن ما نراه على السطح شيء، وما هو مراد بليبيا شيء آخر.
جاء إعلان القاهرة في الأيام القليلة الماضية ليغربل الجميع، ويكشف عن الوجه الثالث لجميع الأطراف ذات الصلة بما يجري على الأراضي الليبية.
الإعلان باختصار يطالب الأطراف المعنية كافة بوقف إطلاق النار والبناء على مرتكزات مخرجات قمة برلين التي نتجت عنها رؤية لحل سياسي شامل، وإلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتها، ومن ثم ضمان تمثيل عادل لأقاليم ليبيا الثلاثة كافة في مجلس رئاسي جديد ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
ردّات الفعل الدولية الأولى على إعلان القاهرة، ولا سيما الدول الكبرى، جاءت إيجابية في ظاهرها، وبقي السؤال الأهم؛ هل هي راغبة فعلاً في أن يجد إعلان القاهرة طريقه ويكمل مساره لإنهاء الأزمة واستنقاذ الليبيين، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، ما يفتح الباب واسعاً للشكوك، وخاصة في ظل المواقف المرائية التقليدية من الأزمة؟
قبل الجواب، نشير إلى أمر حيوي، وهو أن إعلان القاهرة في جوهره يسعى للحفاظ أول الأمر وآخره على ليبيا وحدةً جغرافيةً واحدةً، وأن تكون الكلمة الأولى والأخيرة فيها لليبيين أنفسهم، بحيث يتم تجنب السيناريو الأكثر هولاً، سيناريو تقسيم ليبيا.
هل إعلان القاهرة هو ما يسعى إليه المراؤون المختلفون شرقاً وغرباً، أم أن الصراع على الكعكة الليبية يجعل منه طرحاً غير مرغوب؟
حكماً لن تجد القوى المرائية المتآمرة على ليبيا، كل من أجل صالحه ومصالحه، في إعلان القاهرة ما يمكنها من تحقيق أهدافها، وتنفيذ مخططاتها.
إنها ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها العالم العربي زيف تعبير المجتمع الدولي، فمنذ قرار تقسيم فلسطين، مروراً بأزمات العراق وسوريا واليمن، نجد جزءاً كبيراً من اللعبة الدولية والقرارات الأممية، تدخل العرب في ما يشبه دوامة المتاهة، التي تسعى للتعقيد، لا للحل، وللتأزيم ولو بطريق غير مباشر، وليس لتسهيل وتوفير ميكانيزمات الحل، وإطالة أمد الصراع المسلح عادة من أجل شراء الوقت، والمراهنة على الظروف والأوقات إلى أن تتحقق مع الزمن المخططات الخارجية، وكأن الجميع يسعى في أثر هنري كيسنجر ورؤيته للوقت والرهان عليه بوصفه هو من يحل الإشكالات تقليدياً في نهاية المطاف، لكن متى تأتي هذه النهاية؟ وبأي شكل؟ هذا ما لا يعرفه أحد حتى الذين عندهم علم من كتاب.
كان من الطبيعي أن يأتي ردّ «الوفاق» على النحو الذي رأيناه، وهو المدفوع بأحلام الأوهام الإردوغانية في إعادة إحياء الإمبراطورية البائدة من جديد، ما يعني أن إرادة الشر على الأراضي الليبية ماضية قدماً، وهنا يعنّ لنا التساؤل؛ كيف يمكن دعم زخم إعلان القاهرة إن كان الإيمان به والاعتقاد فيه حقيقة لا مراءاة؟
يخشى المرء أن يكون سيناريو تقسيم ليبيا هو بيت القصيد، وهو أمر واضح في عيون كثيرين، وفي أدبياتهم السياسية الخفية، ولا سيما من الناحية الأخرى من المتوسط، فهناك من يرى أن عودة ليبيا دولة موحدة من جديد أمر قد ذهب وراء الرياح، والذين يراهنون على ليبيا موحدة لا تبدو إراداتهم السياسية قادرة على أن تتحول إلى إجراءات لوجستية على الأرض.
مواقف المرائين هي لعب بالنار، جرّبوه سابقاً في أفغانستان، ولاحقاً في العراق، واحترقت أصابعهم، وها هم يعاودون الكَرة في ليبيا مع أصوليات ضارة مذمومة.
أما الصراع الأممي بين موسكو وواشنطن على ساحل المتوسط فلن يحقق أمناً إقليمياً أو دولياً، بل سيفتح الباب الدولي لفصل جديد من الإرهاب العالمي.
إعلان القاهرة فرصة أخيرة... الجواب عليه عند الليبيين، وليس عند المرائين.