مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

ليس غضباً من أجل السود... بل من أجل الأوبامية!

سارعت «الدولة» الأميركية لإدانة جريمة مقتل الرجل الأميركي الأسود جورج فلويد في مدينة مينيابوليس على يد شرطي أبيض، وتعامل معها الرئيس دونالد ترمب على المستوى الفيدرالي وأحالها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، تعبيراً عن أقصى درجات التعامل الرسمي العالي مع الواقعة المحزنة.
خرجت بعد مقتل المسكين - مهما كان جرمه إن كان له جرم - مظاهرات في عدة مدن، تضامناً مع الضحية، ومطالبة بتحقيق العدل، والأمر إلى هنا يعد ضمن التقاليد الأميركية المدنية، وهي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها المجتمع الأميركي للسود للتعبير عن مطالبهم ومظالمهم.
الجديد في القصة هو السعي المحموم لتوظيف الحادثة من معسكرات اليسار الجديد بكل درجاته، من الأوبامي إلى اليسار الفوضوي، أي «الكافر» بمؤسسات الدولة أو بالتعبير المعروف «الأناركيين» أنصار الفوضى وهدم المؤسسات كلها... سعيهم لـ«هدم» الإدارة الحالية للدولة، كلها، وشطب أي قضية أو موضوع آخر، ما عدا موضوع ضحية مينيابوليس!
الغريب أن نفس الميديا اليسارية المتشنجة ضد ترمب، كانت تهاجم سياسات الانفتاح الاقتصادي «التدريجي» التي انتهجها ترمب بعد مرحلة عزل «كورونا»، بحجة أنه يفضّل المال على حياة الإنسان - كأن العمل والوظائف ليست من حياة الإنسان! - نفس هذه الميديا، تشجع اليوم «التدفق» الشعبي إلى الشوارع والمظاهرات بحجة الغضب من الشرطة والدولة... حسناً، أين ذهبت قبل يومين حملات الهجاء لترمب بسبب ميله إلى عودة العمل والدوام والانفتاح؟!
يزول هذا التناقض لديك عندما تعلم أن بوصلة الميديا الأميركية «الأوبامية» ليست صون الناس من «كورونا»، ولا تحقيق العدالة لضحايا الشرطة، بل تأجيج أي أمر من شأنه إنهاء العهد الأميركي الحالي وتدميره وتخريبه... يعني على طريقة المثل العربي الشعبي: يا فيها... يا أخفيها!
بالمناسبة وصف الرئيس ترمب حوادث التخريب والحرق والاعتداءات الحالية بحجة الحصول على حق جورج فلويد، بأنها جرائم هو الآخر لا علاقة له بجريمة مقتل فلويد، فهي جرائم جنائية، مغلّفة بورق سياسي يساري فوضوي موجّه ومقصود... وهذا الوصف ليس محصوراً بالجمهوري ترمب، بل رأينا حاكم ولاية مينيسوتا الأميركية، الديمقراطي الليبرالي، تيم والتز، يعلن أنه يعتزم حشد الحرس الوطني بالولاية، علماً بأن الرئيس ترمب قد وبّخه على تقاعسه في تنفيذ هذا الإجراء.
هل هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها مثل هذه الأمور في أميركا؟! ألم يحصل في عهد محبوبهم أوباما، الأسود، حوادث مثيرة وخطيرة ضد الأميركان السود؟! مثلاً:
2012 أطلق رجل شرطة أبيض في ولاية فلوريدا النار على مايكل براون، شاب أسود (17 عاماً)، بينما كان في طريق العودة إلى منزله بعد شراء حلوى، في نفس توقيت استعداد أوباما لتولي فترة رئاسية ثانية... ولم يحصل شيء... بل تم «إسقاط الدعوى» عن الشرطي الأبيض دارين ويلسون، في حادث عُرف بحادث «الموت خنقاً»، يعني نفس طريقة موت جورج فلويد في مينيابوليس!
وقتها نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن المدعي العام بديترويت قوله: «عندما انتُخب الرئيس باراك أوباما أصبحت العنصرية أكثر علنية».
لو كان أنصار الحقوق السوداء أصدق، لغضبوا - بل خرّبوا - في عهد أوباما أضعاف ما يحصل اليوم... الأمر كله مجرد ذريعة سياسية غوغائية مخدومة من الميديا الأميركية اليسارية والسوشيال ميديا.