اجتاحت الأسواق حالة من الذعر بسبب فيروس «كورونا»؛ حيث شهدت سوق الأسهم الأميركية أكبر انخفاض لها منذ «الاثنين الأسود» عام 1987، لتهدد بأزمة ائتمان جديدة يغذيها الفشل العالمي في قيادة الدفة.
كتب جوناثان بيرنشتاين في مقال تحليلي يقول: لو أخذنا الرئيس دونالد ترمب مثلاً، فقد أتيحت له فرصة لإعادة النظر في طريقة معالجته لأزمة الفيروس سريع الانتشار، وإنهاء عمليات البيع في السوق؛ لكنه بدلاً من ذلك ارتكب كثيراً من الأخطاء التي لم يكن مجبراً عليها، وألقى باللائمة على دول أخرى في انتشار المرض، وتفاخر بصورة غير مقنعة بمعالجة أزماته، وكشف عن خطط لم تحقق ما أراده الخبراء ولا الأسواق. كانت بالفعل كارثة تلخص أسوأ ما في رئاسته.
انهار مستقبل الأسهم عندما صرح بتلك الكلمات، وانخفضت المؤشرات الرئيسية اليوم؛ حيث تراجعت بوتيرة أكبر، مما تسبب في حدوث هزات عنيفة للمرة الثانية خلال أسبوع.
وكتب المحلل الاقتصادي جون أوثرز يقول: إنه من المفترض أن يجلب ذلك الألم لترمب أكثر من غيره؛ لأنه نسب لنفسه الفضل في كل مكسب تحقق في سوق الأسهم في أوقات سابقة. والآن عليه أن يدرك لماذا رفض غيره من الرؤساء نسب الفضل لأنفسهم: المسألة باختصار هي أنه إذا نسبتَ الفضل لنفسك في السرَّاء، فعليك تحمل اللائمة أيضاً في الضرَّاء.
يعتقد ترمب أن تقليل خطر الفيروس وتقليل الدعم الاقتصادي سيغير من حال الأسواق؛ لكن الخبير الاقتصادي جيمس بيانكو كتب يقول: إن المستثمرين في المقام الأول يريدون منه أن يأخذ الأزمة الصحية على محمل الجد، فقد وصلت دول أخرى إلى هذه النقطة بسرعة أكبر.
ويرى تيم كولبان، الكاتب بوكالة «بلومبرغ» الأميركية للأنباء، أن هناك مراحل من الاستجابة للفيروس مثل مراحل الحزن. فالمراحل اللاحقة تتضمن القبول والعمل الشاق، كما رأينا في تايوان وإيطاليا؛ لكن الولايات المتحدة لا تزال تراوح مكانها في مرحلة الإنكار المبكرة، وهو ما يجعل الأزمة تبدو أسوأ بكثير.
وكتب نوح سميث يقول: إن الإجراءات التي وضعها ترمب كانت غير كافية. فنحن بحاجة إلى قروض للشركات أكبر مما اقترح ترمب، إلى جانب الإجازات المرضية المدفوعة، وإجراء اختبارات فيروسية، وتقديم رعاية موسعة بشكل كبير. كل ذلك وربما أكثر تضمنه مشروع قانون للإغاثة تقدم به الحزب الديمقراطي، ورفضه ترمب والحزب الجمهوري على الفور، مما أدَّى إلى تدهور عمليات البيع في السوق.
والأكثر من ذلك أن قرار تقييد السفر لأوروبا المثير للجدل الذي اتخذه ترمب يكاد يكون غير مجدٍ الآن، بعد أن أصبح الفيروس موجوداً بالفعل، بحسب الكاتب جستن فوكس، مضيفاً حتى في أكثر حالاته فعالية، فإن قرار حظر السفر لا يؤدي ببساطة سوى إلى تأخير نقل العدوى.
كما قام ترمب بتعويم الصناعات المتضررة، مثل خطوط الرحلات البحرية، وكسارات الصخور، وهي مجالات بعيدة كل البعد عن التأثير على سير الاقتصاد الوطني. فالتعدين وصناعات تفتيت الصخور على وجه الخصوص بحاجة إلى الدعم، نظراً لتراجع الطلب على منتجاتها، بحسب الكاتب ويليام ديننغ. وأضاف أن دعمهم خلال هذه الأزمة يعد نوعاً من الاشتراكية المؤسسية التي يحسدهم عليها الاتحاد السوفياتي.
هناك بعض من قادة العالم الذين ارتقوا إلى مستوى الحدث. على سبيل المثال: خرجت مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل منذ أسابيع من عزلتها السياسية، لتتحدث بجدية عن تحديات المرض، بحسب الكاتب أندرياس كلوث. فلكل من الزعيمين أسلوب إدارة يتعارض مع الآخر، والأزمة الحالية جعلت ذلك التباين واضحاً للعيان أكثر من أي وقت مضى.
ويشير الكاتب جيمس بيانكو إلى أن الأزمة هذه المرة أوضحت الفارق بين فترة تراجع السوق وفترة ارتفاعها، في فترة تعد الأسرع منذ عام 1929، فتلك المقارنة مرعبة؛ لكنها أيضاً مقنعة. في ذلك الوقت، نجح الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في تهدئة الأمة بإعطاء الأولوية للصدق، والعمل الجماعي، بحسب الكاتب كاس سنشتاين، لذلك نحن بعيدون كل البعد عن حكمة فرانكلين روزفلت.
لم يكن أداء البنك المركزي الأوروبي بتلك الكفاءة؛ حيث فشل في تخفيض سعر الفائدة المتوقع هذا الصباح، إذ استسلمت رئيسته كريستين لاغارد لحزب الصقور. والأسوأ من ذلك أنها قامت بتقديم اللحوم الحمراء إلى «دببة الديون السيادية»؛ حيث قفزت فروق العائد على إيطاليا والاقتصادات الأوروبية الأخرى، بحسب الكاتبين ماركوس آشورث ومارك غيلبرت.
من المفترض أن هناك في «شارع ليبرتي» بنيويورك، من يعرف أساليب التعامل مع الأزمة. فلعدة أيام استمرت سوق سندات الخزانة في القيام بأشياء غريبة للغاية؛ حيث تأرجحت الأسعار بدرجة كبيرة، فأحياناً ترتفع، وأحياناً تنهار مع انهيار الأسهم، وهو أمر نادر الحدوث. وفي هذا الصدد، كتب بريان تشاباتا يقول: اتضح أن البيع الإجباري أوجد قدراً من السيولة في سوق السندات، لذلك قفز بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى العمل، مع وعد بضخ مبلغ 1.5 تريليون دولار لشراء السندات.
خفف ذلك من الألم لفترة وجيزة في سوق الأسهم، ولكن سرعان ما عاد المستثمرون إلى حالة الصخب للحصول على المزيد. وهنا يقول تيم دوي: إن الشيء الوحيد الذي يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي القيام به على الفور، هو خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، فليست هناك جدوى من الإبقاء على قوة البنك في حالة جفاف؛ إذ إن الاقتصاد في حالة ركود فعلي.
ومع ذلك، من الملائم أن يلتزم بنك الاحتياطي الفيدرالي بدعم «سوق إعادة الشراء» لتزيح الجليد التجاري، بحسب بريان تشاباتا. وهذا من شأنه أن يساعد في منع تحول الأسواق من حال التراجع والركود إلى أزمة ائتمان كاملة. وبحسب مات ليفين، من المحتمل أن تكون هناك مفاجآت غير سارة؛ لأن الانتعاش المالي والأوضاع المالية التي حققناها في زمن الرخاء قد تتلاشى فجأة.
أما بالنسبة للأسهم، فمن المحتمل أن تتأثر هذه السوق الهابطة بحالة الذعر أكثر مما تعتمد على توقعات الأرباح، بحسب نير كيسر. ويرى جون أوثرز أن توقعات الأرباح قد تراجعت بشكل كبير، فالتوقعات تتخذ شكل حرف «V» في الأبجدية الإنجليزية، أي الصعود ثم الهبوط ثم الصعود مجدداً؛ لكن أزمة الائتمان يمكن أن تنسف تلك التوقعات.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:7 دقيقه
TT
الوباء يذكّر أسواق المال بأزمة 1987
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة