الحياة قصيرة، غير عادلة، قاسية، سعيدة... والحياة جميلة. بهذا النعت نصف الحياة في كل مرة يدق بابنا حدث إيجابي أو سلبي ليوقظ إحساسنا بالوجود. وتيرة العيش السريعة جعلتنا ننسى أننا أحياء، فنتذكر الحياة فجأة عندما يحصل شيء يصحينا من الغيبوبة الدائمة.
سأحاول تفسير فلسفة الحياة من دون أن أتفلسف.
في نهاية كل عام نقطع على أنفسنا وعوداً ونتخذ قرارات جذرية تبشر بالتغيير، وما إن يأتي العام الجديد ونبدأ بتنفيذ تلك القرارات نراها تتلاشى، ونخسر الرهان ونعود إلى عاداتنا القديمة، والسبب هو أن الإنسان بطبعه ينسى ما جرى ومهما حل به. عندما نمرض نلجأ إلى الخالق ونَعِد بأن نكون صالحين، نقوم بأعمال إنسانية وخيرية إضافية، عندما يموت أحدهم نقول إن الحياة قصيرة والحياة لا تدعو للحزن لأن ملاك الموت يطاردنا ويقرر لنا تاريخ الإقلاع، ولكن سرعان ما ننسى أن الحياة لا تستأهل البغض والضغينة والحزن والعتاب، نعود أدراجنا وننسى العظات التي أطلقناها وأتحفنا بها مَن حولنا.
نعيش لحظات سعيدة نشعر كأننا نملك العالم بأسره، ونقول إن الحياة جميلة وبعدها نشعر بالتعاسة ونرجع إلى دوامة المشاعر بدءاً من نقطة الصفر، ولكن للتنويه فقط، هذا الأمر طبيعي والسبب هو أننا، رجالاً ونساءً، كتلة من الهرمونات التي يتخبط بعضها ببعض وتعلو وتنخفض، وهذا ما يؤدي في التفسير العلمي إلى الإبداع والابتكار، فمن دون هذه الموجات الجارفة من المشاعر الفائضة التي تخرج منا من دون مكابح لا يمكن أن نكون مميزين ومبدعين.
نعود إلى نقطة الحياة وفلسفتها، من المستحيل أن نجد شخصاً سعيداً في جميع الأمور، في الحب والوظيفة والشكل... وفي اليوم الذي نشعر فيه بالغبن والإحباط يجب أن نتذكر أن الحياة تعطي وتأخذ وليست في الواقع سوى لحظات.
عندما نقول إن الحياة قصيرة نكون قد سمعنا عن موت عزيز على قلوبنا، فنقرر أن نغير منهج تفكيرنا ونعود إلى إطلاق النصائح لمن هم حولنا بأنه يجب التمتع بالحياة وعيشها بطولها وعرضها، ولكن سرعان ما نعود إلى دوامة التعاسة ما إن ينتهي مفعول جرعة الإيجابية التي نحقن تفكيرنا بها.
في حديث مع صديقة عزيزة استوقفني ما قالته لي: «لو أصابني ما حل بك، (وتعني هنا إصابتي بسرطان الثدي وتعدي الأزمة بعد إجرائي الفحوص في نوفمبر/ تشرين الثاني) لما كنت استطعت أن أكون مثلك إيجابية ومبتسمة وخافية التعب الناتج عن العلاج والتكلم عن المرض بالطريقة التي تتكلمين بها أنت عنه».
جوابي كان قصيراً: «الحياة تجبرنا على الإيجابية». وبالفعل في بعض الأحيان نرى أنفسنا نفرط في إقناع أنفسنا بأن الحياة بألف خير ونوهم أنفسنا بالإيجابية ولكن في الحقيقة وإذا ما فكرنا في الأمر وجدنا أن الحزن يجب أن يكون على أشياء كان بإمكاننا تفاديها لا على أشياء لم يكن بإمكاننا تغييرها كالمرض والموت... وهذا ما يفسر معنى الحياة.
أكثر ما جعلني أعجز عن تحليله هو تعامل بعض أصحاب النفوس المريضة والداكنة لدرجة السواد الدامس، هو الحقد الذي يعمي البصيرة ويجعلهم ينسون أن الحياة فانية والسوء الذي يتمنونه لغيرهم قد يبليهم.
الحياة ليست سوى لحظات، إذا غصنا في فلسفتها لن نجد أجوبة عن أسئلة بدهية، على سبيل المثال: لماذا نُولد ما دمنا سنموت؟ لماذا نتعلم وندرس ونعمل بجهد؟ لماذا نتزوج وننجب ونسهر الليالي؟ لماذا ولماذا...؟ الجواب هو أن التفكير في فلسفة الحياة بتفلسف لن يجدي نفعاً، فعش حياتك بلحظاتها الجميلة لأنها هذه هي باختصار فلسفة الحياة بلا فلسفة.
8:2 دقيقه
TT
فلسفة بداية العام
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة