د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

صخب «التفكير الجماعي»

حينما تلتفت إلى زميل في العمل أو تدعوه لأخذ رأيه في مسألة تهمك فذلك نوع من أنواع الاستشارات الهادئة. أما حينما يجد أحدنا نفسه يوجه سؤالاً لمجموعة كبيرة من الزملاء أو الأصدقاء (على الملأ) فقد دخلنا بذلك في مصيدة «التفكير الجماعي» أو groupthink كما تسمى في أدبيات الإدارة.
والتفكير الجماعي ظاهرة اجتماعية عفوية يحاول فيها البعض التركيز على تماسكهم وتوادهم وترابطهم على حساب النقاش الصريح الذي يسمي الأشياء بأسمائها. وفيه تحرص فئة من الناس على فتح باب النقاش لفهم أوسع لقضية ما لكنها سرعان ما تنحرف معهم نحو حفلة مجاملات أو ربما صراع شفهي قد يفضي إلى نقاش عقيم أحياناً.
وهذا ما يدفع البعض إلى تجنب الخوض في النقاش الجماعي تفادياً لظهورهم بصورة معارضة تثير حفيظة الجالسين، أو ربما يتفادى أحدهم التعبير عن رأيه خشية أن يظهر أمام المستمعين بصورة تنم عن حماقته. ولذا يكتفي البعض بدور «مقرب وجهات النظر» تفادياً للنزاعات.
ومشكلة التفكير الجماعي أن تحاشي البعض لعيوبه (عدم الدخول في النقاش) يدفعهم إلى تجنب الخروج عن الرأي السائد، فيضطرون إلى القبول السطحي بما تمت مناقشته من دون تفكير عميق أو موضوعي. وأسوأ ما يكون التفكير الجماعي عند مناقشة أمور متعلقة بمصائر الناس أو خزينة الدولة أو الشركة أو مستقبلها وغيرها من أمور تستدعي تفكيراً معمقاً.
ويذكر أن أول من أظهر مفهوم «التفكير الجماعي»، الذي يعصف بنقاشاتنا أحياناً الباحث إيرف جانيز عام 1982 الذي تبين له أن التركيز على تماسك المجموعة وتبادل المجاملات وتحاشي الخلافات والمواجهات يؤدى إلى قرارات سيئة في نهاية المطاف.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو متى نلجأ إلى التفكير الجماعي إذن؟ الإجابة ببساطة: نستعين بهذا التفكير عند مناقشة فكرة عامة جداً، كمعرفة رأي الناس أو الزملاء في قضية ما مثل: هل ننظم يوماً مفتوحاً؟ هل نعلن اليوم الفلاني إجازة؟ هل نتعاون تجارياً أو مهنياً مع جهة معينة؟ وهكذا. ونترك التفاصيل لكل مختص لاحقاً لكي يدلي بدلوه. ويستخدم القياديون التفكير الجماعي أحياناً كبالون اختبار لجس نبض من حولهم بشأن قضية معينة.
مشكلة اتخاذ القرارات المهمة أنها لا تتواءم مع صخب التفكير الجماعي الذي يبدد متطلبات التركيز والنقاش الموضوعي. ويصبح التفكير أكثر تأثيراً حينما نحصره في دائرة ضيقة لا تخشى في الله لومة لائم.