مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

من جديد... الشعراوي وجدل السياسة والدين

تحدثنا في المقالة الأخيرة عن الحملة التي تعرّضت لها الإعلامية المصرية الشابة، أسما شريف منير، ابنة الفنان الشهير، بسبب تعليق نقدي أدلت به ضد الراحل الشيخ «النجم» المرحوم محمد متولي الشعراوي.
نواب وشيوخ وغيرهم احمرت أنوفهم من أجل الشعراوي، وتم تجديد المطالبة بتشريع يجرّم ما صفوه بالإساءة للرموز الدينية والتاريخية.
الحال أنه ليست هذه المرة الأولى التي يكون اسم الشيخ الشعراوي محركاً لكل هذه العواصف الإعلامية والسياسية، منذ ظهور نجم الشعراوي على المشهد العام، بسبب الإعلام نفسه من خلال البرنامج الشهير على التلفزيون «نور على نور» وطريقته الخاصة والمميزة في الوعظ الديني بنكهة شعبية بها جانب من الأداء الجسدي اللافت. اتخذ من تفسير القرآن وسيلة لهذا الخطاب، وهو بالمناسبة كان من العلماء الكبار في مجال اللغة العربية؛ لذلك اختاره المجمع اللغوي عضواً به، وتخصصه الجامعي الدقيق كان في اللغة العربية، وعلم البلاغة فيها بوجه خاص.
صحيح أن الشعراوي ترك جماعة الإخوان في مرحلة مبكرة، لكن مواقفه واختياراته الدينية الاجتماعية لم تخلُ من جدل واعتراض من قبل النخب العلمانية المصرية؛ لذلك تجادل معه نجوم الثقافة المصرية أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب زكي محمود، ثم آثر هؤلاء ترك الجدل مع الشيخ الجماهيري الشعبي؛ طمعاً بالسلامة ربما!
من الجهود الشعراوية المثيرة للجدل، مصرياً، تقاطر بعض الفنانات المصريات عليه من أجل «تتوبيهن» من الفن أو الحدّ من عملهن.
نستطيع القول إن الشيخ الشعراوي، هو الرائد الأول للوعظ التلفزيوني؛ الأمر الذي ألهم لاحقاً جيلاً من الشباب الإخواني، أو لنقل المنتمي للتيارات الدينية في «مسرحة» وتلفزة الخطاب الديني ونقله لمستوى شعبي تفاعلي جديد، ليس على نسخة الشعراوي أو عبد الحميد كشك، الخطيب الأول للإسلاميين، وعلى فكرة أصل ذلك النهج كان لدى وعاظ التلفزيون من قساوسة أميركا مثل جيمي سواغارت وغيره.
شبان من مصر، عُرفوا إعلامياً بالدعاة الجدد أمثال عمرو خالد، اعتمدوا المنهج التلفزيوني الوعظي، بحلّة جديدة، ثم تقدموا خطوة نحو وعظ السوشيال ميديا، لكن كل هؤلاء لا يقارنون أبداً بعلم وبلاغة الشعراوي، الأزهري العتيد.
دفاع المدافعين اليوم عن «رمزية» الشيخ الشعراوي «إمام الدعاة» كما هو عنوان المسلسل الذي صنع عنه، ونقد الناقدين له، يفتح على السؤال الكبير، هل للواعظ حصانة من النقد، إن هو ولج في صلب المسائل الجدلية العامة، والقضايا السياسية الاختلافية؟
أتذكر - وحاشا للشعراوي أن يصبح مثله - الحملة الإعلامية والشعبية الشعواء التي شنّت على بعض الممثلين في لبنان حين تناولوا شخص أمين «حزب الله» حسن نصر الله بنقد فكاهي، بحجة وجوب صون «المقامات الدينية»، مع أن نصر الله فاعل سياسي بحت، وليس وليّاً من أولياء الله صاحب مقام وحضرة!؟
رحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي... ورحمنا معه.