ربما أن نوربرت والتر بورجانز، ووساسكيا إيسكين، الزعيمين الجديدين لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا، على وشك أن يسديا خدمة لألمانيا وأوروبا بأسرها. ذلك ليس بفضل خصال حميدة متأصلة بداخلهما؛ فكلاهما يساري عديم اللون قريب الشبه من جيريمي كوربين في بريطانيا، وإن كانا ليسا على الدرجة نفسها من التهور. لكن السبب في ذلك يرجع إلى أنهما قد يرغبان في إخراج حزبهما من الائتلاف الذي يضم كتلة يمين الوسط برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل، وهو احتمال أثار أزمة حكومية كبيرة. فأي شيء يهز البلاد سيعطي بصيص أمل.
بدت الحكومة الحالية لأكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي متواضعة بشكل غير محتمل وباتت في حاجة ماسة إلى التغيير. فقط فكّر في أي تحدٍ كبير يواجه أوروبا اليوم وستجد أن المرونة والقيادة غائبتان تماماً عن ألمانيا.
إن منطقة اليورو معرضة لخطر الركود، وألمانيا هي الاقتصاد الذي يمكن أن يساعد القارة أكثر من غيرها من دول أوروبا. لكن بدلاً من ذلك فإنها تتمسك بتحقيق التوازن لميزانياتها بشكل مبالغ فيه. فالعملة الأوروبية معرضة لأزمة يورو جديدة ما لم يتم تعزيزها من خلال اتحاد مصرفي كامل، بما في ذلك نظام تأمين ودائع مشترك لمقرضي المنطقة.
في زمن الاضطرابات الجيوسياسية، يتعين على أوروبا أيضاً إعادة التفكير في استعدادها العسكري وفي تحالفاتها. ومع ذلك، تواصل برلين تحدي نداءات حلفائها في حلف الناتو بإنفاق المزيد على جيشها الذي لم يعد مستعداً للمساعدة في حماية أوروبا الشرقية ضد روسيا حال تطلب الأمر ذلك.
حاولت الحكومة التوصل إلى خطة للتصدي لتغير المناخ مؤخراً، وهو ما يفوق ما تقوله معظم الدول الغربية. لكن الحزمة التي تشق طريقها من خلال النظام التشريعي تبدو غير طموحة على الإطلاق.
الأسوأ من ذلك هو سجل السياسة الداخلية لإدارة ميركل، فقد جاء آخر إصلاح اقتصادي كبير في ألمانيا في عهد سلفها جيرهارد شرودر. وخلال 14 عاماً من حكمها، لم تحاول ميركل فعل شيء يذكر ضمن هذا النطاق الكبير. فقد تأخر الإصلاح الضريبي لفترة طويلة، خصوصاً أن البلدان الأخرى خفضت معدلات ضرائب الشركات. ثم هناك قانون الهجرة، الذي سيستفيد من نهج قائم على النقاط مثل كندا للتخفيف من نقص العمال المهرة في ألمانيا. لكن خزائن ميركل التي شملت ثلاث منها الحزب الديمقراطي الاشتراكي، كانت مجرد عبث. كان التحديث الرقمي للاقتصاد الألماني مجرد كلام لا أفعال.
أفضل ما يمكن قوله عن الائتلاف الحالي هو أنه نجا من أزمة اللاجئين في الفترة ما بين 2015 و2016 واستعاد عافيته لاحقاً. نعم، لقد ألغى الطرفان معظم المشروعات التي اتفقا عليها عندما جددا على مضض شراكتهما الحاكمة في أوائل عام 2018. لكنها كانت قائمة مخيبة للآمال تلك التي وقّع عليها شركاء الائتلاف الذين يبغض بعضهم بعضاً.
النتيجة هي أن ألمانيا وميركل، اللتين جعلتا نفسيهما بطة عرجاء بإعلانها أنها لن ترشح نفسها مرة أخرى جعلت ألمانيا تفقد دورهما القيادي. وقد ترك ذلك فراغاً في قلب أوروبا، وهو ما يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون ملئه. فقد كان يطرح الأسئلة الكبيرة حول مستقبل الاتحاد الأوروبي ويتوقع الدعم، أو على الأقل رداً من ألمانيا، لكن الصمت في برلين كان يصم الآذان.
ووسط جو مليء بالإحباط، بدأ ماكرون في تحمل مخاطر أكبر من أي وقت مضى بالتفكير في التحالفات العسكرية الأوروبية الجديدة وفي علاقته الجديدة مع روسيا وفي التصميم الاقتصادي الجديد لمنطقة اليورو، وفي وقف توسيع الاتحاد الأوروبي. لكن الألمان لم يكن لديهم ما يقولونه بشأن هذه المغامرة. فبسبب الاشتباه في أجندة ديغولية جديدة خفية والخوف من إمساك فرنسا بزمام الأمور في أوروبا الغربية، اتجه الألمان لإفساد عمل ماكرون.
برلين تكره الأزمة السياسية. تلك حقيقة بنيت على خوف ثقافي من «عدم الاستقرار» الذي يعود إلى جمهورية فايمار الفوضوية (أو بالأحرى، ما حدث بعد فشلها)، لكن هذه المخاوف مبالغ فيها.
لنفكر في السيناريوهات الرئيسية. أولاً، يتعين على الحزب الاشتراكي الديمقراطي في نهاية الأسبوع المقبل أن يستحضر فكر خبير الاقتصاد الألماني والتر بورجانز وخبير التكنولوجيا والسياسي إيسكن، وأن يقرر ما يجب فعله حيال الائتلاف. من دون شك، سوف يطلبان من ميركل أن تسلك اتجاهاً جديداً، بما في ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور وغيرها من المطالب اليسارية. ولن يكون أمام المحافظين (الذين يناضلون في صناديق الاقتراع) خيار سوى الوقوف بحزم وقول لا.
ربما يحاول الحزب الديمقراطي الاشتراكي الانسحاب من الحكومة، وربما تطلب ميركل في هذه الحالة تصويتاً في البرلمان لمنح الثقة. في ألمانيا، لا يمكن التصويت للمستشار إلا إذا انتخب البرلمان مستشاراً جديداً. لذلك فإن ميركل أو خليفتها سيكون لهما فرصة جيدة للبقاء في السلطة كحكومة أقلية. هذه الفكرة لعنة على الألمان، لكن الدنمارك المجاورة ودولاً أخرى أثبتت أن حكومة الأقلية يمكنها أن تعمل. سيتعين على ميركل أو خليفتها السعي للحصول على دعم لكل قضية على حدة من حزب الخضر أو الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للتجارة. سيتطلب ذلك على الأقل نقاشاً مفتوحاً، وهو ما سيكون نعمة للديمقراطية الألمانية بعد سنوات من الجمود البرلماني.
وفي حال فشلت حكومة الأقلية، فإن الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير سيدعو إلى انتخابات جديدة. نعم، كانت أوروبا تتمتع بكثير من هؤلاء في الآونة الأخيرة. لكن في ألمانيا - على عكس إسبانيا، على سبيل المثال - من شأن الانتخابات الجديدة أن تغير فعلياً من تكوين البرلمان، لأن حزب الخضر سيحل محل الحزب الديمقراطي الاشتراكي باعتباره ثاني أكبر حزب وشريكاً واضحاً لاختيار المحافظين. إنهم ينتعشون هذه الأيام، وسوف يدفعون الحكومة إلى عمل أكثر جرأة، وسيكون أمام ماكرون شخص ما يتحدث معه.
إن الأسابيع والأشهر المقبلة ستصنع التاريخ في ألمانيا ما بعد الحرب، وهي ليست معتادة على مثل هذه الاضطرابات. ولكن بمجرد أن يستقر الغبار، ستستطيع مجموعات جديدة إحياء النقاش السياسي وصنع السياسات، وهو أمر يستحق المحاولة من أجل صالح ألمانيا وأوروبا.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:48 دقيقه
TT
أزمة ألمانيا شيء حميد للغاية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة