يأتي الاجتماع الوزاري الخليجي الاستثنائي الـ(46)، الذي عقد يوم الخميس 26 ديسمبر (كانون الأول) 2024، في الكويت، لبحث تطورات الأوضاع في سوريا، تأكيداً على موقف دول الخليج الثابت تجاه الأزمة السورية، واستمراراً لجهودها المتواصلة في تعزيز وحدة سوريا وسيادتها ودعم الشعب السوري لتحقيق الاستقرار والازدهار. هذا الموقف يعكس النهج الراسخ لدول الخليج منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، حيث لعبت دوراً محورياً على المستويين السياسي والإنساني، ساعية إلى إيجاد حلول تحقق تطلعات الشعب السوري، وتضمن استقرار سوريا ووحدة أراضيها. فمنذ بداية الأزمة في سوريا، تبنت دول الخليج مواقف حازمة من خلال دعمها للمبادرة العربية التي أقرتها الجامعة العربية، في أغسطس (آب) 2011، التي شملت بنوداً تدعو لوقف العنف، وإطلاق سراح المعتقلين، وسحب المظاهر العسكرية من المدن السورية، مع التأكيد على أهمية إطلاق حوار وطني شامل تحت مظلة الجامعة العربية لضمان انتقال سلمي للسلطة. ومع استمرار تعنت النظام السوري وتصعيده للعنف ضد المواطنين العزل، اتخذت دول الخليج خطوات تصعيدية، شملت سحب سفرائها من دمشق وطرد السفراء السوريين، في رسالة واضحة تعكس استياءها من تدهور الأوضاع. وفي ديسمبر 2011، دعا القادة الخليجيون، عبر قمتهم التي عقدت في الرياض، النظام السوري إلى تنفيذ بنود المبادرة العربية، بما في ذلك البروتوكول الخاص ببعثة المراقبين العرب للتحقق من تنفيذ الخطة العربية وضمان حماية المدنيين. ومع دخول الانتفاضة السورية عامها الثاني وارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من تسعة آلاف، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قررت دول الخليج في مارس (آذار) 2012 إغلاق سفاراتها في دمشق وسحب دبلوماسييها، داعية المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف حازمة لوقف العنف وانتهاكات حقوق الإنسان. كما دعمت دول الخليج كل الجهود الأممية الرامية إلى إنهاء الأزمة السورية، بما في ذلك خطة كوفي عنان ومبادرات الأمم المتحدة. كما أيدت قرار مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه غير العادي في يونيو (حزيران) 2012 بالدوحة، الذي طالب مجلس الأمن بتنفيذ خطة عنان بشكل كامل ضمن إطار زمني محدد، مع التأكيد على إمكانية استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لضمان تنفيذ النقاط الست للخطة. ومع وقوع إحدى أبشع المجازر التي شهدتها سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد، مجزرة الحولة في مايو (أيار) 2012 بمحافظة حمص، التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص بطرق مروعة. كانت دول الخليج من بين من عبّروا عن صدمتهم واستنكارهم الشديد لما حدث، حيث أيدت قرار مجلس حقوق الإنسان في يونيو من العام نفسه، مطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. كما لعبت دول الخليج دوراً محورياً على مستوى المجتمع الدولي من خلال المشاركة في مؤتمرات «أصدقاء سوريا»، التي عقدت في تونس في فبراير (شباط) 2012، وفي إسطنبول في أبريل (نيسان) 2012. وأيدت اتفاق «جنيف 1» الذي دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة بوصفه حلاً سياسياً للأزمة. كما دعمت الجهود التي توصلت إلى اتفاق «جنيف 2» في يناير (كانون الثاني) 2014، رغم عدم تحقيقه النتائج المرجوة. وظلت دول الخليج تدعو باستمرار عبر بياناتها الوزارية وقرارات المجلس الأعلى، إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرار 2254، لضمان رفع الحصار عن المدن المحاصرة، ووقف قصف المدنيين، والإفراج عن المعتقلين، مع مواصلة مطالبتها بخروج القوات الأجنبية والحفاظ على سيادة سوريا. ورغم عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن إطار «الخطوة مقابل الخطوة»، المبادرة التي قدمها الأردن، وحظيت بمباركة خليجية، والتي تضمنت أولويات مثل المساعدات الإنسانية، وعودة اللاجئين، وإنهاء تهريب المخدرات، ووقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها جميع الأطراف السورية، فإن النظام السوري لم يظهر أي التزام جاد بتنفيذ هذه التعهدات، ولم يحقق أي تقدم ملموس في الوفاء بالالتزامات المطلوبة منه، مما عكس عدم استعداده للتعاون مع الجهود الدولية والعربية الرامية إلى إنهاء الأزمة. إلى جانب الجهود السياسية، قدمت دول المجلس مساعدات مالية وإنمائية بلغت أكثر من 8 مليارات دولار منذ بداية الأزمة، واستضافت أكثر من مليوني سوري، موفرة لهم الخدمات الصحية والتعليمية والحقوق التي تضمن حياة كريمة. وقد برزت جهود دول الخليج من خلال استضافتها للمؤتمرات الدولية لدعم الوضع الإنساني في سوريا مثل استضافتها 3 مؤتمرات دولية للمانحين من أجل سوريا خلال الأعوام (2013، 2014، 2015)، بالإضافة إلى مشاركتها الفاعلة في مؤتمرات المانحين كمشاركتها لمؤتمرَي لندن (2016) وبروكسل (2017)، التي تعهدت خلالها بتقديم مليارات الدولارات لدعم الشعب السوري والتخفيف من معاناته. ولا تزال دول المجلس ملتزمة بمواصلة الدعم الإنساني للشعب السوري، داعية المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده ومضاعفة مساعيه لتخفيف معاناة الشعب السوري وتحقيق تطلعاته في حياة كريمة ومستقرة. ومع سقوط نظام الأسد في سوريا، تدخل البلاد مرحلة جديدة تتطلب جهوداً مكثفة لإعادة البناء وضمان الاستقرار. تمثل هذه المرحلة فرصة لتحقيق انتقال سياسي شامل يضمن وحدة سوريا وسيادتها، مع دعم إقليمي ودولي لمنع الفوضى والعمل على استعادة الأمن والتنمية. من خلال البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي الذي عقد في الكويت مؤخراً، حددت دول الخليج رؤيتها لسوريا الجديدة، مؤكدة تطلعها إلى بناء شراكة قوية ومستدامة قائمة على مبادئ الوحدة والسيادة والاستقلال. فدول المجلس سوف تسعى إلى دعم استقرار سوريا السياسي والأمني، وضمان احترام إرادة الشعب السوري في رسم مستقبله عبر عملية انتقالية سلمية وشاملة، تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254. كذلك بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، سوف تركز دول الخليج على تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي مع سوريا من خلال دعم إصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة الفساد، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين. وسوف تسعى أيضاً إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها لتمكينها من التعافي اقتصادياً. كما تمنح الأولوية لعودة اللاجئين السوريين بشكل طوعي وآمن، مع ضمان توفير الظروف الحياتية والسياسية الملائمة لهذه العودة. وفي الجانب الأمني، تضع دول الخليج على رأس أولوياتها أهمية مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، مع ضمان عدم استخدام الأراضي السورية منطلقاً لأي تهديدات إقليمية أو دولية. كذلك إنهاء إنتاج وتصدير المخدرات غير المشروعة من سوريا، التي تمثل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي. وتشدد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وتعزيز قدراتها لضمان الأمن والاستقرار، وحصر السلاح بيد الدولة. وأخيراً، ستواصل دول الخليج، وكما هو نهجها المستمر، العمل على تنسيق الجهود مع المجتمع الدولي لدعم سوريا في تجاوز أزمتها واستعادة مكانتها دولةً عربيةً مستقلةً ومستقرةً، مع ضمان منع أي تدخلات أجنبية تؤثر على سيادتها ووحدتها. وذلك لتحقيق رؤية مشتركة تضمن لسوريا دوراً فاعلاً في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتمهد الطريق لبناء مستقبل أكثر إشراقاً للشعب السوري، حيث يسود السلام والتنمية. سوريا العراقة والصمود والجمال، تبقى وطناً للحب، امتلأنا بها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا. وكثيراً ما رددت أبيات نزار قباني الخالدة: «هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرَّاحُ إني أُحبُّ.. وبَعضُ الحبِّ ذبَّاحُ»
8:48 دقيقه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة