حتى الآن، هذا ما لدينا، وهو حسن. أبو محمد الجولاني يرتدي بذلة أحمد الشرع، ويتحدث إلى جميع الناس ويخاطب جميع الأمم، ويستخدم التعابير المدنية، ويعرج على حقوق المرأة، وينفض لغة الحرب.
تقول الزميلة أمل عبد العزيز الهزاني إن في كل هذه الطروحات ما يطمئن الجميع، ولا خوف من عرقلة مسيرة الرجل. طبعاً كل شيء في بداياته، لكن فيها دلائل كثيرة تشتغل عليها سوريا الجديدة في إتقان شديد، خوفاً من عودة صور الثورات والانقلابات والثكنات.
من أوائل ما فعله الشرع إلغاء كلمة «الثورة» التي استخدمت في الأيام الأولى. دخل مباشرة إلى «الدولة» التي غابت عن سوريا والعالم العربي منذ زمن سحيق. ويظهر الرجل ويتحدث بكلمات عادية بسيطة من لغات البشر. لا فصاحات، ولا فراغات، ولا ألواح خشبية مسوسة من كثرة الجفاف.
تضعنا سوريا الجديدة جميعاً أمام بوابة الانتظار، خصوصاً السوريين الذين لا بد أن يكابروا على الجراح، وأن يؤكدوا أنهم عندما يعطون الحرية، فإنهم أكثر مَن يستحقها. الثأر، الصغير والكبير، لا يليق. كم من الصعب أن تطلب من الناس أن تنسى وأن تصفح، لكن هذا قدر الأوطان. إن الماضي الأليم ليس سوى درس محزن. التاريخ مليء بظواهر مثل هتلر. لكنه مليء أيضاً بظواهر مثل الشعب الألماني والياباني والروسي، الذين استعادوا بلدانهم من ركام الطغاة وقلب الظلام.
أتمنى، والمناسبة قد حضرت عفوياً، أن أفتح قوسين كي أرفع التحية إلى الزميلة الهزاني، باعتباري واحداً من قرائها القدامى. هذه المجموعة من الكاتبات السعوديات تتوازى وأحياناً تفوق كتاب السياسة فيها.
إذ ترفد الخبرة الأكاديمية الوعي السياسي والثقافي، تتقدم سيدات، مثل الأستاذة الهزاني، بالهدوء الفكري، وتمهل المرأة وحكمتها.