طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

أنا والنجوم في انتظار «سمسم»!

لا نزال أسرى هذا المشهد، الذي تابعناه في العديد من الأفلام والمسلسلات القديمة، سقف الحجرة المتهالك، ينهار على رؤوس العائلة الفقيرة، التي كانت قبل لحظات تتحسس جيوبها الخاوية بينما بطونهم خاوية أكثر، وبدلاً من أن تتناثر الحجارة هنا وهناك على رؤوس الجميع، لتقتل من تقتل وتجرح من تجرح، نكتشف أن الذي ينهمر وبضراوة وبلا رحمة وبكل العملات السهلة والصعبة وعلى رؤوسهم جميعاً هي الفلوس، كما أنها ليست معدنية حتى لا تصيب أحداً بمكروه، ولكنها ورقية من فئة المائة فما فوق لتنزل برداً وسلاماً على هؤلاء الفقراء الذين كانت منتهى أحلامهم وجبة عشاء تقع تحت قائمة الفول والفلافل، فيجدون أنفسهم في لحظة واحدة، وقد انتقلوا إلى قائمة الإستاكوزا والكافيار، ولا يقتصر الأمر فقط على السقف، ولكن الأرض أيضاً من الممكن أن تلعب نفس الدور، خاصة لو كان بطل الحكاية يعيش في الطابق الأرضي وبلا سقف يحمي، فإنه، بمجرد أن يمشي بضع خطوات سوف تتعثر قدمه في بلاطة، وعندما يحاول ضبطها سيزداد معدل اهتزازها، فيضطر لانتزاعها، فيكتشف أنه قد عثر على كنز ملئ بالذهب والمرجان والياقوت، وأن كل مشاكله هو والعائلة والجيران، قد تم حلها في غمضة عين، وباتت تواجهه مشكلة أخرى أكثر ضراوة، كيف يستطيع إنفاق كل هذه الأموال.
تلك هي الحلول التخديرية، التي تشبه أحلام اليقظة التي تنتابنا جميعاً بين الحين والآخر، ومن الممكن طبعاً التعامل معها ببساطة طالما أدركنا أنها مجرد أحلام يكذبها بعد دقائق الواقع، ولكن هناك من تمتد بهم أحلام اليقظة طوال حياتهم.
عشنا في طفولتنا أسطورة «علي بابا والأربعين حرامي» عندما تفتح المغارة بمجرد نداء «افتح يا سمسم»، يجد علي بابا الفقير المعدم أن كل مجوهرات الدنيا باتت تحت أقدامه، يحرص «علي بابا» أن يأخذ منها على قدر احتياجه، ولا ينسى أن يرسل لنا مبرراً أخلاقياً، يؤكد أنها أساساً مسروقة، رغم أنه سارق من مسروق، أي أن عقوبته مضاعفة، فمن يعلم كل ذلك ولا يبلغ الأجهزة الأمنية، يصبح شريكاً في الجريمة.
دعك من هذه الحكايات القديمة، ولو فتحنا الدائرة أكثر، ونسأل هل نحن عادة نخطط لشؤون حياتنا أم أننا ننتظر أن يطرق «سمسم» بابنا ويحل مشاكلنا؟.
البداية يجب أن تتوجه للبنية التحتية، حتى نضع حلولاً تواجه الأزمة من جذورها، بعد أن تراكمت مع الزمن، وسوف نكتشف أن دول العالم المتقدمة تبدأ بضخ الميزانيات الأكبر في التعليم والبحث العلمي والصحة، بينما في عالمنا العربي نضعها عادة في ذيل القائمة، ونسأل لماذا بات حظنا قليلاً في عدد العلماء وأساتذة البحث العلمي، بينما نحن لم نزرع شيئاً نستحق عليه أن نحصد أي شيء، عندما نتحدث عن بذور التطرف الديني، سنجد أن أهم سلاح نواجهه به هو الثقافة والفن، قبل المواجهة الأمنية، إلا أن لدينا من يعتقد أن الفن والثقافة تهم عدداً محدوداً من المترفين أقصد (الناس الرايقة اللي بتضحك على طول) كما غنى لهم رامي عياش وأحمد عدوية (الدويتو) الشهير.
ما قدمته لنا الأفلام القديمة لا يمكن أن يصبح هو الحل، لسنا أمام مغارة «علي بابا»، وعلينا أولاً مواجهة الحقيقة التي تؤكد أن «سمسم» خرج ولم يعد!.