جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

كشمير... توتر الحاضر والاحتمالات الصعبة

الأخبار المفرحة لا تأتي من كشمير. منذ أغسطس (آب) 1947، التاريخ الذي يسجل خروج بريطانيا من شبه القارة الهندية، على عجل، بعد قرون من الاحتلال، وانقسام أرض «الراج البريطاني» إلى دولتين، وانبثاق باكستان دولة للمسلمين، وما صاحب ذلك من تهجير وموت لملايين البشر من دولة إلى أخرى، تبقت ولاية كشمير حداً فاصلاً، ومصدراً لتوتر دائم بين الدولتين قاد، فيما مضى، إلى حربين ومواجهات عسكرية متقطعة دامية بلا عدد آخرها في شهر مارس (آذار) الماضي، كادت تقود الدولتين النوويتين إلى حرب ثالثة.
هذه الأيام الأخيرة، طفت كشمير على سطح الأخبار، من جديد، بشكل أكثر توتراً، وأشد مدعاة لقلق المجتمع الدولي، لدى قيام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالدفع بالآلاف من القوات الهندية إلى الولاية، وقطع كل الاتصالات عنها، وعزلها عن العالم، ثم الإعلان عن إلغاء المادة 370 من الدستور، بمنح كشمير، أكبر ولاية هندية مسلمة، صفة الحكم الذاتي الممنوح لها لدى الاستقلال، ومعاملتها كغيرها من ولايات الهند الأخرى.
كشمير ليست الولاية الهندية الوحيدة التي تحظى بتلك الصفة. هناك ولايات أخرى مثل ناجالاند، وأوتاربارديش، وبنغال. ما يميز كشمير هو أنها موطن لأغلبية سكانية مسلمة، كانت دوماً مصدراً لتوتر سياسي، وعسكري، ويُنظر إليها من دلهي على أنها طابور خامس للعدو الرابض في إسلام آباد.
ولاية كشمير، الواقعة على سفوح الهيمالايا، والتي تبدو لزوارها كأنها قطعة من فردوس أرضي، كانت، لدى الاستقلال، إمارة على رأسها مهراجا هندوسي، وتساعده نخبة هندوسية تتولى حكم سكان مسلمين. وكان من الممكن للإمارة، بحكم موقعها الجغرافي، أن تنضم إلى أي من الدولتين الجديدتين، إلا أن حاكمها اختار الاستقلال. ذلك القرار لم يُرض باكستان، فقامت بدورها بتشجيع رجال القبائل على دفع المهراجا للانضمام لباكستان، لكن المهراجا التجأ إلى الهند طلباً للمساعدة العسكرية، وفي أكتوبر (تشرين الأول) من نفس العام، انضم إلى الفيدرالية الهندية. وأدى ذلك إلى اندلاع أول حرب بين الدولتين، واستمرت إلى شهر يوليو (تموز) 1949 بقبول الدولتين لخط إطلاق نار رسمته الأمم المتحدة. وبموجبه منحت الهند السيطرة على ثلثي مساحة الجزء الجنوبي من الولاية، وأغلبية السكان، وصار ذلك الخط، مع توالي السنين، فاصلاً حدودياً، بين الدولتين، يقف الجيش الباكستاني في طرف منه، مشحوناً بالعداء نحو الهند، ويقابله في الطرف الآخر القوميون الهندوس الرافضون لتقديم أي تنازل لباكستان. محاولات التفاوض بين الدولتين لحل الأزمة بينهما كثيرة، وكادت في بعض المرات تنجح في الوصول إلى اتفاق، لكن سرعان ما يتم التخلص من الاتفاقات، ويعود التوتر سيد الموقف.
لقاء الانضمام إلى الهند، حظيت ولاية كشمير بعناية دستورية مميزة، في القانون الصادر عام 1954 وفيما عرف بالمادة 370، وأهم بنودها: حكم داخلي مستقل، ومنع المواطنين الهنود من خارج الولاية من الإقامة، وشراء الأراضي، أو تولي أي مناصب في الحكومة المحلية. كما حظر على النساء امتلاك الأراضي والعقارات خشية انتقالها بالزواج إلى أشخاص آخرين من خارج الولاية. هذا القانون، منذ صدوره، قوبل بالرفض من قبل المتشددين الهندوس وصار لهم هدفاً يسعون إلى إسقاطه، والتخلص منه، وإعادة كشمير إلى حضن الأم – الهند.
ولم يكن ما قامت به الهند عملاً مفاجئاً تماماً، بل كان متوقعاً، منذ وصول حزب مودي، بنزعته القومية الهندوسية إلى السلطة، وتمكُّنه في شهر مايو (أيار) الماضي، من الفوز بالانتخابات النيابية، للمرة الثانية، بأغلبية كبيرة. وتحاول حكومة إسلام آباد التزام ضبط النفس وعدم الانجرار للعمل العسكري، حتى الآن، باللجوء إلى المجتمع الدولي، على اعتبار أن ما قامت به الهند يعد انتهاكاً للقانون الدولي. إلا أن دعوات باكستان، لم تقابلها آذان صاغية دولياً. في حين أن الهند ترى وتؤكد أن ما يحدث في كشمير شأن داخلي لا علاقة للمجتمع الدولي به.
هناك خوف من أن يؤدي التوتر الحالي بين الدولتين إلى تهديد الأمن الإقليمي في منطقة جنوب آسيا. وفي بريطانيا، التي توجد بها جالية كشميرية كبيرة، من المسلمين والهندوس، خارج كشمير. وهناك قلق من تسرب التوتر في الولاية، إلى أبناء الجالية في مختلف المدن البريطانية، وربما يقود إلى مواجهات. ويصادف يوم الخميس القادم اليوم الوطني لاستقلال الهند، حيث تستعد الجالية الإسلامية الكشميرية لتنظيم مظاهرة احتجاج أمام مكتب المندوب السامي الهندي في لندن. وفي اليوم نفسه، وفي ذات المكان، تستعد الجالية الهندوسية الكشميرية لتنظيم مظاهرة تأييد ومناصرة لما قامت به الحكومة الهندية.
التحرك الهندي الأخير، هو المسبب لهذه الأزمة، وما لم يتحرك المجتمع الدولي، سريعاً، لنزع فتيلها، فإن شررها، وما قد تسببه لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة ليس خافياً على أحد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الأزمة ستفتح الباب أمام عودة التطرف الديني، وتحول المنطقة إلى جهة استقطاب للمتشددين الدينين وللإرهابيين، خصوصاً أن حكومة الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الأفغانية على وشك الوصول إلى اتفاق سلام، ومن ضمن أهم بنوده إغلاق الأراضي الأفغانية أمام المتطرفين الأجانب.