حنا صالح
صحافي وكاتب لبناني. رئيس تحرير جريدة «النداء» اليومية (1975 - 1985). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام راديو «صوت الشعب» (1986 - 1994). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام تلفزيون «الجديد» (1990 - 1994). مؤسس ومدير عام «دلتا برودكشن» لخدمات الأخبار والإنتاج المرئي (2006 - 2017). كاتب في «الشرق الأوسط».
TT

بالجرم المشهود

للمرة الأولى منذ 4 عقود، يبدو النظام الإيراني في وضعٍ لم يعهده في أي يوم سابق. متلبسٌ بالجريمة، بل بالجرائم التي ارتكبها بحق كل دول الجوار، بحق شعوب المنطقة العربية وبحق مختلف الأمم، وأيضاً بحق شعوب إيران، حيث يسود التمييز والتفرقة، والجامع الوحيد الإرهاب بعد امتهان كرامات الناس.
ممثلون من أكثر من 50 دولة، شكلوا أمماً متحدة مصغرة، لبوا دعوة خادم الحرمين الشريفين والتقوا في قمم مكة: قمة خليجية وقمة عربية وقمة إسلامية، والعنوان الوقوف مع السعودية التي تنكبت مهام قيادة التحرك الأوضح بوجه رعونة النظام الإيراني. دعت المملكة إلى التكاتف لوقف التدخلات والأعمال الإرهابية الإيرانية التي لم توفر أي جهة، ووضعت المنطقة على حافة الهاوية. قال الملك سلمان لممثلي العالمين العربي والإسلامي إن «عدم اتخاذ موقف رادع وحازم لمواجهة الأنشطة التخريبية للنظام الإيراني في المنطقة هو ما قاده للتمادي».
لحظة بادرت الرياض بتوجيه الدعوة بشكل طارئ كان واضحاً أن الساعة قد أزفت لكي تقف البلدان العربية والإسلامية أمام مسؤوليتها التاريخية. التدخل من جانب طهران في الشؤون الداخلية لأكثر من بلد ليس خافياً على أحد ومشروع تصدير الثورة من أجل الهيمنة ليس سراً، وانتشار ميليشيات الحرس الثوري، وهو أمر معلن، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومعهم عشرات الميليشيات المتطرفة التي استحدثوها، لم يكن يوماً بدافع إحلال السلام في أي بلد، فطهران ليست فاعل خير بل هي على الدوام الطرف الذي يغذي التناقضات وبالأخص المذهبية ويعمق شروخ الانقسام الوطني ويشعل الصدامات لتحقيق طموحات إمبراطورية.
البداية كانت مع مشروع «الهلال الشيعي» وما يقتضيه من استتباع لبلدان المنطقة لربط طهران بالمتوسط. يتطلب المخطط ممارسة التدخل في الشأن الفلسطيني وإضعاف السلطة وإقامة كيان تابع في غزة، والاستثمار الكبير في «حزب الله» الجيش الرديف في لبنان وجعله رأس حربة في التحرك حسبما تقتضي المصالح الإيرانية، إلى إنشاء «الحشد الشعبي» في العراق الذي تحول إلى ما يشبه الفرقة الأجنبية في «فيلق القدس». وثانيها إحكام الطوق على بلدان الخليج وهذا يفسر الاستثمار المخيف في بناء ميليشيات الحوثي وتجهيزها لحرب طويلة ولو أدى ذلك لخراب اليمن ودماره على ما نشهد اليوم... وفي كل ذلك كان النظام الإيراني مطمئناً لوضعه واثقاً بخدمات يقدمها وشبكة مصالح تتبادل الخدمات مع جهات مختلفة، بدليل أن تبجح أمراء الحرب الإيرانيين بالهيمنة على أربع عواصم عربية لم يُثر أي رد فعل دولي، بل بالعكس بدأت طهران منذ وقت تتدخل، مباشرة وعبر الوكلاء، لتحديد التوجهات السياسية لهذه البلدان!
الاعتداء على ناقلات النفط في الفجيرة واستهداف محطتي ضخ سعوديتين أطلقا الإنذار، فطهران تجاوزت كل الخطوط الحمر وقررت الانتقال للتأثير على الملاحة الدولية وعلى الاقتصاد العالمي. واضحة كانت ردة الفعل السعودية والإماراتية بأن البلدين لا يريدان الحرب، ولكنهما سيدافعان عن مصالحهما المشروعة، وكذلك كانت المواقف الدولية والأساس الموقف العملي الأميركي الذي أكد الجهوزية لردع تمادي ملالي طهران وقضت الجهوزية بإعادة انتشار عسكري أميركي وقرار بتحريك قوات إلى المنطقة. هنا تكمن أهمية المبادرة السعودية والقمم التي شهدتها مكة والتي أكدت أن هذه الأمم المتحدة المصغرة جاهزة للوقوف بوجه الهجمات الإرهابية وعمليات التخريب التي يبرع بها النظام الإيراني ويتوسلها لفرض تسلطه. وللمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية بدا النظام الإيراني على حقيقته دولة مارقة معزولة راعية للإرهاب، واقتصر موقف التضامن الوحيد مع طهران على ما أُعلن باسم النظام السوري من موقفٍ يدافع عن تدخل النظام الإيراني في سوريا!
لقد حققت السعودية من خلال هذه المبادرة، والتلبية الواسعة لها، نجاحاً كبيراً واحتضاناً لنهجها، عندما أكدت قمم مكة أن طروحات طهران الإعلامية باتفاقيات «عدم اعتداء» ينبغي أن تمر بتغيير حقيقي في السلوك، يبدأ باحترام المواثيق الدولية ويمر باحترام سيادة بلدان المنطقة ووقف التدخل المباشر أو من خلال الأذرع الإرهابية. وبمقدار الحرص على تجنيب المنطقة ويلات الحرب، بما في ذلك تجنيب الشعب الإيراني المغلوب على أمره هذه الويلات، فإن رسالة المجتمعين واضحة بالتأكيد؛ أن دول المنطقة المستعدة للدفاع عن مصالحها ستبقى أياديها ممدودة للسلام، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته.