د. عبد الجليل الساعدي
TT

أيادٍ

لخولةَ أطلالٌ ببرقةَ ثهمدِ
تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهرِ اليدِ
***
تكلّفتُ من عفراءَ ما ليسَ لي بهِ
ولا بالجبالِ الراسياتِ يدانِ
***
لقد رسختْ في القلبِ منك محبّةٌ
كما رسختْ في الراحتينِ الأصابعُ
***
التصق التعبيرُ باليد عند العرب بالعطاء والجود، كما استعملت للتعبير عن القوة والطول، كما جاء في التعبير القرآني: (يد الله فوق أيديهم)، ويقولون: يد الله مع الجماعة. كما أن اليد هي أداة الربط والحل.
واليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تقول: لي عليه يَدٌ أَي قُدْرة. واليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُ القُوَّةُ، واليَدُ المِلْكُ، واليَدُ السُلْطانُ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ الجَماعةُ، واليَدُ الأَكْلُ؛ يقال: ضَعْ يدَكَ أَي كُلْ، واليَدُ النَّدَمُ، ومنه يقال: سُقِط في يده إِذا نَدِمَ، وأُسْقِطَ أَي نَدِمَ.
وفي القرآن: (ولما سُقِطَ في أَيديهم)؛ أَي نَدِمُوا.
ولا تختلف معاني اليد كثيرا في اللغة الإنجليزية عنها في العربية.
وقديما قالوا: يداك أوكتا وفوك نفخ. يعني أن المسؤولية تقع عليك كاملة.
واستعملت للكناية عن الخير والسلام: فيقولون إن لفلان أيادي بيضاء.
قال الشاعر:
له عليَّ أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها
وإِنما الكُفْرُ أَنْ لا تُشْكَرَ النِّعَمُ
كما استخدموها في التشتت والانقسام فقالوا:
تفرقوا أيدي سبأ.. وأيادي سبأ.
قال ذو الرمة:
فَيَا لَكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهلُها
أَيادِي سَبأ عنها وطالَ انْتِقالُها
والمعنى أَن نِعَمَ سبأ افترقت في كل طريق، فقيل: تفرَّقوا أَيادِيَ سبأ أي في كل وجه.
***
اَشْدُد يديك بغَرْزِه
يقال ذلك لمن أفاد شيئا يُغْبَط به.
وأصله في الفرس الكريم يصيبه الإنسان، فيحتفظ به.
واليَدُ هي الكَفُّ، وهي (أُنثى محذوفة اللام)، وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء تخفيفاً فاعْتَقَبت حركة اللام على الدال، والنسَبُ إِليها على رأي سيبويه يَدَوِيٌّ، نقول: إنها صناعة يدوية. والأَخفش يخالفه فيقول: يَدِيٌّ كَنَدِيٍّ، والجمع أَيْدٍ، وأَصلها يَدْيٌ على فَعْل، ساكنة العين، لأَن جمعها أَيْدٍ ويُدِيٌّ،على ما يغلب في جمع فَعْلٍ في أَدْنى العَدَد. وهذا جمع فَعْلٍ مثل فَلْسٍ وأَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، ولا نقول فِلس بالكسر، لأنه بالكسر اسم صَنَمٌ كانَ لقبيلة طَيِّئٍ في الجاهِلِيَّة، ولا يجمع فَعَلٌ على أَفْعُل إِلا في حروف يسيرة معدودة مثل زَمَنٍ وأَزْمُنٍ وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وعصاً وأَعْصٍ، وقد جمعت الأَيْدي في الشعر على أَيادٍ؛ قال جندل بن المثنى الطُّهَوِيّ:
كأَنه بالصَّحْصَحانِ الأَنْجَلِ..
قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادي غُزَّلِ.
وهو جمع الجمع مثل أَكْرُعٍ وأَكارِعَ؛ ومثله قول الشاعر:
فأَمَّا واحداً فكفاكَ مِثْلي
فمَنْ لِيَدٍ تُطاوِحُها الأَيادِي؟
وقال ابن سيده: أَيادٍ جمع الجمع؛ بيد أن ابن جني فك هذا الاشكال في أيد وأياد، حيث قال: أَكثر ما تستعمل الأَيادي في النِّعم لا في الأَعْضاء. واليَدُ: النِّعْمةُ والإِحْسانُ تَصْطَنِعُه والمِنَّةُ والصَّنِيعَةُ، قال اللغويون وإِنما سميت يداً لأَنها إِنما تكون بالإِعْطاء والإِعْطاءُ إِنالةٌ باليد، والجمع أَيدٍ، وأَيادٍ جمع الجمع، يقولون فلان طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ، إِذا كان سَمْحاً جَواداً كريما.
***
ومما قالوا في تَقْسِيمِ الآثَارِ عَلَى اليَدِ قَوْلِهِمْ:
يَدِي مِن كَذَا فَعِلَة، ثُمَّ زَادَ النَّاسُ عَلَيْهِ ألْفَاظاً كَثِيرَةً بعضُها على القيَاسِ وبعضُها على التَّقْرِيبِ.
انظروا إلى مدى رحابة هذه اللغة ودقتِها وأسرارها تَقُولُ العَرَبُ:
يَدِي مِنَ اللَحْمِ غَمِرَة، ومنَ الشَّحْمِ زَهِمَة، ومِنَ السَّمَكِ صَمِرَةٌ، والصَمَرَ بالتحريك: النَتْنُ.
وَمِنَ الزَّيْتِ قَنِمَة، وَمِنَ البَيْضِ زَهِكَة، وَمِنَ الدُّهْنِ زَنِخَةٌ، ومِنَ الخَلِّ خَمِطَة. وَمِنَ العَسَل لَزِجَة، وَمِنَ الفَاكِهَةِ لَزِقَة، وَمِنَ الزَعْفَرَانِ رَدِعَة، والرَّدْعُ اللطْخ بالزعفران.
رَدَعْتُهُ عن الشيء أَرْدَعُهُ رَدْعاً فارْتَدَعَ، أي كففتُه فكَفَّ والرُداعُ بالضم: وَجَعُ الجسدِ أجمَع. قال الشاعر:

وكان فِراقُ لُبْنَى كالخِداعِ فَواحَزَناً وعاودني رُداعي
وَمِنَ الطِّيبِ عَبِقَةٌ
مسكيةُ النفحاتِ إلا أنهـا
وحشيةٌ بسواهمُ لا تعبقُ
وَمِنَ الدَّم ضَرِجَة
وللحرية الحمراء باب.. بكل يد مضرجة يدق
وَمِنَ المَاءِ لَثِقَة...
اللَثَقُ بالتحريك: البَلَلُ، وطائرٌ لَثِقٌ، أي مبتلٌّ وَمِنَ الطِّينِ رَدِغَة الرَّدَغَة والرَّدْغَةُ - بالتحريك والتسكين -: الماء والطين والوحل الشديد، والجمع رَدْغُ ورَدَغٌ ورِدَاغ. وهي مفردة سمعتها في بعض البلاد العربية وَمِنَ الحَدِيدِ سَهِكَة، وَمِنَ الوَسَخِ دَرِئَةٌ.
والدَرَنُ: الوَسَخُ.
وَمِنَ العَمَلِ مَجِلَة.
ومَجِلَتْ كَفَّاه بعدَ لِينِ، ومَجِلَتْ يدُه، بالكسر، ومَجَلَت تَمْجَل وتَمْجُل مَجَلاً ومَجْلاً ومُجُولاً: نَفِطَتْ من العمل فمَرَنَتْ وصَلُبت وثَخُن جلدُها وتَعَجَّر وظهر فيها ما يشبه البَثَر من العمل بالأَشياء الصُّلْبة الخشِنة.
وَمِنَ البَرْدِ صَردَةٌ.
والصَّرْدُ والصَّرَدُ: شِدَّة البَرْدُ، تقول ويومٌ صَرِدٌ ولَيلَةٌ صَرِدَةٌ. وما زالت كلمة الصرد بمعناها هذا تستعمل في بعض البلاد العربية.
وفي مادة قنم نجد الآتي:
وقَنِمت يدي من الزيت قَنَماً، فهي قَنِمة: اتَّسخت.
والقَنَمُ في الخيل والإبل: أَن يُصيب الشعرَ النَّدى ثم يصيبه الغُبار فيركبه لذلك وَسَخ. وقَنِمَ الجوز فهو قانِمٌ، أي فاسد.
والأقانيمُ: الأصول، واحدها أُقْنومٌ.
***
نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَـمْ تَنَلْـهُ يَـدِي
نَقْشاً عَلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَـدِي

كَأنـهُ طَـرْقُ نَمْـلٍ فِـي أنَامِلِـهَا
أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْـبُ بالبَـرَدِ

كأَنَّهَا خَشِيَـتْ مِنْ نَبْـلِ مُقْلَتِـهَا
فَأَلْبَسَتْ زَنْدَها دِرْعـاً مِـنَ الـزَّرَدِ

مَدَّتْ مَواشِطَهَا فِي كَفِّـهَا شَرَكـاً
تَصِيدُ قَلْبِي بِـهِ مِنْ دَاخِـلِ الجَسَـدِ

أُنْسِيَّةٌ لَوْ رَأتْهَا الشَّمْـسُ مَا طَلَعَـتْ
مِنْ بَعْدِ رُؤيَتِهَا يَـوْماً عَلَـى أَحَـدِ

سَأَلتُهَا الوَصْلَ قَالَـتْ لاتُغَـرَّ بِنَـا
مَنْ رَامَ منَّا وِصَالاً مَـاتَ بالكَمَـدِ