مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

«الإخوان» واستماتتهم للسيطرة على مستقبل ليبيا

لا بد من التسليم بأن فشل «الإخوان» في مصر حدد هوية هذا التنظيم، الذي اتسم بالخداع والتقية والقفز على ظهر الثورات للاستيلاء على مكتسباتها، ومع ذلك كان الكثير من الناس مخدوعين بالنظريات المطروحة من قبل هذا التنظيم الإرهابي وحماسته الثورية، وأرغموا مجتمعاتهم على متابعة هذا التيار المعادي للبشرية واستقرار الدول، فمنذ ذلك الحين ولدت أغلب الجماعات الإرهابية من رحم التنظيم، وأصبحت ذراع «الإخوان» لنشر الفوضى في المنطقة.
وتأسيساً على ذلك، باتت كثير من الأحزاب السياسية في منطقة الشرق الأوسط لها علاقة وروابط بأولئك الذين يتاجرون بالدين، لتحقيق المنهج السياسي المطلوب، ويخدم أجندتهم في كل بلد، ولهم في كل مكان قاعدة جماهيرية وحزبية سياسية، ومنها حزب «التنمية والعدالة» التركي الذي يستقبل بصدر رحب المندسين في عباءة «الإخوان»، الفارين من بلدانهم، لإشعال فتيل مزيد من الفوضى في المنطقة، ولكن تغير قواعد اللعبة في دعم الإسلام السياسي من قبل الولايات المتحدة أثبت أن ظاهرة الإسلام السياسي لا تزول إلا بزوال أسبابها.
ومحاربة الإرهاب من قِبل الولايات المتحدة تستهدف إيران وأنشطتها المخادعة و«الإخوان»، فقد سعى الرئيس دونالد ترمب إلى إدراج جماعة «الإخوان المسلمين» على قوائم الإرهاب، مما يعد صفعة جديدة تلقاها تنظيم «الإخوان» الإرهابي. أيضاً أعلنت الإدارة الأميركية أنها تتخذ خطوات على الصعيد الداخلي لإتمام هذه العملية، كما كشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، من خلال تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، نقلت فيه عن مسؤولين مطلعين على القضية، أن الإدارة الأميركية تعمل على تصنيف الجماعة «تنظيماً إرهابياً خارجياً»، وهي الخطوة التي ستُفرض بموجبها عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على الجهات التي تتعامل تجارياً مع «الإخوان».
هناك تغيرات ملموسة في السياسة الأميركية حول الإسلام السياسي بإيقاف هذا التيار عن استمرارية السلطة الاستبدادية المعارضة لاستقرار الدول. بل هي الخطوة الأكثر أهمية التي تنهي آمال التنظيم الإرهابي، وهذا بلا شك يبعثر أوراق حزب «العدالة والتنمية» التركي، ويعطي الضوء الأخضر لاستراتيجية لم تكن موجودة في صفوف هذه الحركات المنظمة من قبل تركيا وقطر، ولا يغيب عن ذهن الرئيس إردوغان الآن أن التفاهم حول المكونات الدينية للمنطقة، ومنطق القوة واستمالة الجماهير بدأ في الأفول، وافتضح أمر سياستهم العدوانية، ومعرفة الحقيقة العميقة التي تدفع نحو تدمير الدول العربية، وفتح بوابات عبور للمعارضين السياسيين والجماعات الإرهابية.
لقد تبدت دوافع وأسباب عداء «الإخوان» لقومية الدولة وصناعة الانطلاقة الحقيقية الثابتة على مدى سنوات من قبل كل من تركيا وقطر و«الإخوان»: ثالوث الفوضى والإرهاب في ليبيا، بعد أن حاولت جماعة «الإخوان» التغلغل في دهاليز صناعة القرار في الغرب من خلال تقديم مشروع زعمت أنه سلمي في البداية، إلى أن تجلت نتائجه في مصر حين لجأت إلى العنف والإرهاب.
وها هنا تبدو المواجهة فعلياً بين قوى نشر الفوضى في المنطقة، وبين الدول التي تريد عودة الاستقرار إليها؛ بين قوى تريد تمكين الإسلام السياسي وبين دول تريد دولة مدنية، وليست تحت آيديولوجيا «الإخوان» وغيرهم، ومطامع إردوغان بعودة استعمار المنطقة، ولكن عبثاً ما صنع وخطط، فالدول العربية لن تكون إلا للعرب.
إن غاية الدول العظمى لا تقبل النقاش، فهي تنظر إلى «الإخوان» على أنهم جسر عبور لتحقيق بعض الخطط السياسية بالمنطقة، وهذا ما ظهر جلياً في ليبيا «دوافع نفطية فضحت أبعادها المستترة بأقنعة الديمقراطية وحقوق الإنسان ونزع أسلحة الدمار الشامل» كما قال نعوم تشومسكي. وأثبت تصاعد الخلاف بين فرنسا وإيطاليا جزءاً من حقيقة أن هذا البلد ما هو إلا ساحة معارك بين جماعات إرهابية ليبقى منفذاً إلى أفريقيا، وساحة تنافس لدول عظمى مثل إيطاليا وبريطانيا وروسيا وأميركا وفرنسا.
هذا التحول الكبير في السياسة الأميركية سيكون الفيصل بين العنف والسلام في دول المنطقة، على الرغم من التقارير الإعلامية الأجنبية التي تفيد بأن سباقاً محموماً يدور بين إيطاليا وفرنسا، فيما يخص هذا الشأن للسيطرة على مفاتيح القرار لمستقبل ليبيا، في الوقت الذي حذرت فيه وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية، من تدخلها في الشأن الداخلي للدولة الواقعة في الشمال الأفريقي؟
بالطبع، هذا ما حققه إرهاب «الإخوان» والدعم المستمر من تركيا وقطر لاحتلال الأراضي الليبية، وإحلال الفوضى والقتال عوضاً عن السلام والاستقرار، ورأى جبريل أوحيدة، في حديث لـ«العربية نت»، أنه في حالة انتصار الجيش الوطني الليبي وسيطرته على العاصمة طرابلس، سينهي حكم الميليشيات المسلّحة، وحكم «الإخوان»، وهذا ما يريده أغلب الليبيين، خصوصاً في منطقة الشرق، وغيرها سيؤدي إلى تقسيم البلاد، مشيراً إلى أن «هذه الخطّة هي التي يعوّل عليها تيار (الإخوان)، ومن يدور في فلكهم».