وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

ملامح 2019 غير واضحة إلى الآن

أصدرت أهم جهتين في سوق النفط، منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية، يومي الخميس والجمعة، أول تقاريرهما الشهرية لعام 2019. ومن خلال هذين التقريرين، يمكن فهم كثير من مخاوف القائمين على سياسات النفط في العالم.
بالنسبة لي، وبعد قراءة التقريرين، وجدت أن ملامح عام 2019 غير واضحة حتى الآن لأي جهة، والكل متخوف من أمور كثيرة، لأن السوق النفطية الآن متأثرة بعوامل خارج قدرة المنتجين، وغالبها ذو طابع جيوسياسي أو اقتصادي صرف.
أول هذه العوامل هو الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والثاني هو عدم وضوح موقف بريطانيا من الخروج من الاتحاد الأوروبي، والثالث هو السياسات النقدية للبنوك المركزية في العالم، وأثر ذلك على سوق العملات والأسهم. أما العامل الرابع، فهو النمو الاقتصادي العالمي.
هذا بالنسبة للعوامل غير النفطية. أما العوامل النفطية، فهي واضحة معروفة؛ ولهذا لا تقلق أحداً لأنها تحت السيطرة. فعندنا مثلاً زيادة إنتاج المنتجين من خارج «أوبك». وللسيطرة على المخاطر الناتجة عن ذلك، قررت «أوبك» وحلفاؤها تمديد اتفاق خفض الإنتاج هذا العام، الذي بموجبه سيخفض الجميع 1.2 مليون برميل يومياً.
ومن المحتمل أن يجتمع أعضاء التحالف الأربعة والعشرون، المعروف باسم تحالف «أوبك+»، قريباً في شهر أبريل (نيسان)، لمراجعة الاتفاق، مع احتمالية تمديده إلى آخر العام، أو تعميق كمية الخفض. ولمحت الأمانة العامة لـ«أوبك»، في تقريرها الشهري، إلى أهمية الإبقاء على الاتفاق أطول فترة ممكنة في تقريرها الأخير، نظراً لأن السياسات النقدية في العالم قد لا تزيد تكلفة الاقتراض هذا العام، وهو ما يعني أن الإنتاج من خارج «أوبك» قد يزيد.
وتتوقع «أوبك»، في تقريرها، أن ينمو الإنتاج من خارج دول «أوبك» بنحو 2.6 مليون برميل يومياً، وهذه نسبة نمو عالية يقودها الولايات المتحدة وروسيا وكندا وكازاخستان (روسيا وكازاخستان أعضاء في تحالف «أوبك+»). والغريب في الأمر أن الإنتاج الروسي، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية، زاد إلى مستوى قياسي في ديسمبر (كانون الأول) إلى 11.5 مليون برميل يومياً، في الوقت الذي خفضت «أوبك» فيه إنتاجها بشكل كبير جداً.
ولا أحد يعلم متى ستخفض روسيا إنتاجها بشكل كبير، ولكن هذا ليس بجديد. ففي عام 2017، لم تبدأ روسيا بالتخفيض بشكل كبير حتى منتصف العام، ولعل الشركات الروسية لديها اعتبارات ربحية ومالية تمنعها من سرعة الاستجابة لقرار خفض الإنتاج.
وبصورة عامة، فإن «أوبك» تتوقع أن ينخفض الطلب على نفطها في 2019 بنحو 90 ألف برميل يومياً عن مستواه في عام 2018، ليصل إلى 30.9 مليون برميل يومياً.
ورغم كل هذا، فإن الأجواء إيجابية حول توازن السوق النفطية. فوكالة الطاقة الدولية ترى، في تقريرها، أن السوق النفطية قد تتوازن في النصف الأول من عام 2019، إذا ما التزم أعضاء التحالف بالاتفاق. وحتى قبل صدور التقرير، كان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قد أوضح في أبوظبي، الأسبوع الماضي، أن السوق النفطية سوف تتوازن في 2019، ولا يوجد هناك مخاوف كبيرة حول الأساسيات.
وفي الحقيقة، الأساسيات ليست سيئة، كما يظن كثير من المضاربين والتجار والمحللين. فقبل عامين فقط، بدأنا بتخمة في مخزونات الدول الصناعية أعضاء منظمة التعاون والتنمية (OECD) قدرها 360 مليون برميل تقريباً فوق متوسط الخمس سنوات. أما هذا العام، فسوف نبدأ بتخمة قد لا تتجاوز 10 في المائة من هذا الرقم، وهذه تخمة بالإمكان تخفيضها في وقت قياسي، إذا ما التزم أعضاء تحالف «أوبك+» بالاتفاق بحذافيره.
والطلب على النفط سيظل ينمو بشكل معقول هذا العام، خصوصاً في الأشهر الستة الأولى، نظراً لأن أسعار النفط في مستويات متدنية، مقارنة بفترات كثيرة من العام الماضي.
فبالنسبة للطلب، ترى «أوبك» أنه سينمو بواقع 1.3 مليون برميل يومياً في 2019، فيما ترى وكالة الطاقة أنه سينمو بنحو 1.4 مليون برميل يومياً؛ وكلا الرقمين مشجع جداً وسط الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم الآن.
وتبقى الصين هي العامل الأبرز الذي تدور حوله ضبابية كبيرة. فإذا ما عطست الصين، أصيبت السوق النفطية بزكام حاد، لأن الصين هي المستورد الأكبر للنفط في العالم.
وحتى الآن، الأمور غير مشجعة في الصين، إذ إن توقعات البنك الدولي، أو توقعات الجهات البحثية في الصين، أو شركات النفط الصينية، كلها تشير إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني في 2019. ولكن البيانات المنشورة تشير إلى نمو في واردات الصين من النفط في ديسمبر (كانون الأول) إلى مستوى قياسي بلغ 10.5 مليون برميل يومياً، وهي المرة الثانية في تاريخ الصين التي يصل فيها الاستيراد إلى هذا المستوى.
ومن المعلوم أن نمو استيراد النفط في الصين علامة من علامات النمو الاقتصادي هناك. إذن، كيف نفسر تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة الواردات النفطية الأخير؟ هناك تفسير معقول لهذا الأمر قدمته وكالة «بلاتس» لتسعير النفط، في تقرير أعده فريق الأبحاث فيها، وذكرت فيه أن النفط المستورد يذهب غالبيته إلى المخزونات، نظراً لأن الأسعار المنخفضة حالياً للنفط تشجع على التخزين.
ولو كان أحدنا رئيس شركة نفط صينية لفعل الشيء نفسه، فالأمر غير واضح بالنسبة للحظر الأميركي على نفط إيران، والأسعار قد ترتفع في عام 2019، مع تخفيض إنتاج تحالف «أوبك+». الخلاصة هنا أنه من المبكر معرفة اتجاه السوق، ولهذا يجب على تحالف «أوبك+» أن يكون حذراً في أخذ الخطوة المقبلة في أبريل.