جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

«بيكفي إنك من بلد نادين»

درجت عبارة «بيكفي إنك لبناني» على لسان اللبنانيين بعد إصدار أغنية للفنان عاصي الحلاني بهذا العنوان، ولكن عنوان الأغنية تحول إلى صفة ملاصقة لتباهي اللبناني بهويته، وهذا الأمر بديهي، ومن الطبيعي جدا أن يفتخر المرء ببلده وبجذوره وأصوله، ومن المهم جدا أن يعشق الإنسان بلده ويدافع عنه ولو بالكلام من دون الوقوع في هاوية المبالغة والمغالاة والتعالي على غيره في أوقات لا تصلح حتى فيها المقارنة.
في كل مرة أزور فيها حبيبتي بيروت أخصص وقتا للولوج إلى السينما لمشاهدة فيلم لبناني، وهذه المرة حالفني الحظ أن أشاهد فيلم «كفرناحوم» للمخرجة والممثلة المبدعة نادين لبكي، فلا الفيلم ولا لبكي بحاجة لرأي في قصة الفيلم والممثلين غير المحترفين الذين اختارتهم نادين بنفسها من أماكن هي بالأحرى مرآة صادقة وحقيقية لوقائع الفيلم وقصص شخصياته، فالفيلم أخذ حقه في مهرجان كان السينمائي، وها هو اليوم ينافس أهم الأفلام الأجنبية في جوائز الـ«غولدن غلوبز» في الولايات المتحدة، وبالفعل وبعد مشاهدة الفيلم، فلو كان هناك إنصاف في الاختيار فلا بد أن يفوز الفيلم بالجائزة وصولا إلى جائزة الأوسكار، لأنه بالفعل عمل رائع لامرأة لبنانية عربية مبدعة وموهوبة وهي فعلا تعتبر فخرا للبنانيين وللبنان، وإذا أراد أن يفتخر اللبناني بلبنانيته، فبالأحرى الافتخار بها وبانتمائه لوطنها نفسه.
عندما نفتخر بأي شيء يجب أن نفتخر على أساس قوي وليس فقط بالأقوال والعبارات الخالية من المعاني ومن دسامة المحتوى، فعندما نريد أن نميز أنفسنا عن باقي الجنسيات والبشر فلا بد أن نركز على شيء نملكه ونعتز به، وإلا فمن العار التباهي والعيش على الأطلال وعلى نجاحات أجدادنا وأسلافهم ونحن على دراية ومعرفة بأن حاضرنا لا يدعو كثيرا للابتهاج والتباهي ومن ثم التعالي على الغير.
الكل سواسية في هذه الدنيا الفانية، ولكن ما يتركه المرء هو ما أنجزه والاسم الذي يعتز به بلده وأهله. ففي كل مرة أشاهد بها فيلما لنادين لبكي أشعر بالفخر الحقيقي، ليس فقط لأنها مبدعة ورائعة إن كان في إطار التمثيل أو الإخراج... إنما لكونها تعمل بعكس التيار في لبنان الذي يقوده مسؤولوه إلى الهاوية، وأقدرها لأنها تحول الضعف إلى قوة في ظروف اقتصادية حالكة، تمول أعمالها من دون دعم حكومي، ولو كانت الحكومة واعية لكان يجب عليها أن تكون أول داعميها وأول المفتخرين بها لكونها مبدعة ومواطنة.
في زيارتي الأخيرة إلى لبناني كانت الرؤية قاتمة والأحوال غير مبشرة، والتعب من الأوضاع الراهنة واضح على وجوه اللبنانيين وهذا إنذار بكارثة إنسانية واجتماعية على وشك الانفجار، وأنا لا أبالغ في أن بصيص الأمل والشعور الإيجابي الوحيد الذي خالجني خلال زيارتي راودني عندما شاهدت الفيلم الذي يحكي قصصا مؤلمة وحقيقية تعكس واقع كثيرين يعيشون لأن الموت نسيهم، ويتكاثرون لأن الإنجاب هو الوسيلة الوحيدة التي تجعلهم، وللأسف، يشعرون بأنهم أحياء، وكم كانت رسالة الطفل زين في الفيلم قوية عندما رفع دعوى قضائية على والديه لأنهما أتيا به إلى هذه الدنيا القاسية وإلى هذا المجتمع الظالم... لن أفسد على من لم يحالفه الحظ لمشاهدة الفيلم بعد تطورات أحداث الفيلم ونهايته، إلا أن النهاية التي أريد الوصول إليها هي أننا - لبنانيين - إذا ما أردنا أن نفتخر يجب أن نفتخر بأعمال ناجحة وبشخصيات بارزة في جميع المجالات، وبدلا من التعالي وترديد عبارة «بيكفي إنك لبناني» في الأوقات غير المناسبة، أعتقد أنه يكفي بأن تكون من بلد نادين لبكي.