ليام دانينغ
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

التغيير المناخي... دعوا القضية للعلماء

من المشكلات التي لديّ مع «إنكار المناخ» هي الاسم، فلا أحد ينكر وجود مناخ، على الأقل حتى هذه اللحظة. وإنني لأظن أنه اسم يناسب تغريدة على موقع «تويتر»، لكن هذا يقودني إلى مشكلة أخرى مع إنكار المناخ.
لتوضيح ما أعنيه، إليكم ما يقوله الرئيس دونالد ترمب انتقاداً لتقييم المناخ الذي قدمته إدارته، والذي تم نشره في توقيت رائع، يوم الجمعة السوداء في صحيفة «واشنطن بوست»، الأسبوع الماضي:
«من المشكلات التي يعاني منها أشخاص مثلي أننا في غاية الذكاء، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أننا من المؤمنين. إنكم تنظرون إلى هوائنا ومائنا، وتجدون أنه نظيف جداً حالياً. لكن عندما تنظرون إلى الصين، وأجزاء من آسيا، وأميركا الجنوبية، وغيرها من الأماكن الكثيرة في هذا العالم، ومنها روسيا، ستجدون أن الهواء ملوث بدرجة كبيرة جداً. عندما تتحدثون عن الجو، تكون المحيطات صغيرة جداً، وهي لا تزال على ما يرام؛ أعني أننا ننظف شواطئنا طوال الوقت من آلاف الأطنان من القمامة الآتية من آسيا. إنها تنتقل عبر المحيط الهادي، وتتدفق ونستطيع معرفة مصدرها. ويحتاج الأمر إلى كثير من الناس للبدء بهم».
ومثلما هو الحال مع البطل الروائي عوليس، من المؤكد أن الأساتذة سوف يظلون يتجادلون لقرون بشأن ما يقوله الرئيس الأميركي في هذا الشأن. مع ذلك، يؤدي تحليل الكلمات إلى ضياع المقصد والغاية. إن تلك الفقرة هي في رأيي تضليل واضح، حيث يتم الجمع بين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والهواء «الملوث»، وبالتالي تصوير الولايات المتحدة كبلد «نظيف»، ومرة أخرى يتم ذكر الصين وروسيا، مع أن الولايات المتحدة لا تزال ثاني أكبر دولة باعثة لأكسيد الكربون، ومع ذلك انسحب الرئيس من الاتفاقية الدولية بشأن المناخ.
هذا ما أعنيه بالسذاجة، فمسار وأساس الجدل ضعيف للغاية، حيث ينهار أمام أقل قدر من التدقيق والبحث، وليس ذلك امتيازاً رئاسياً مقصوراً على الرئيس. ففي الأسبوع نفسه، اتهم ريك سانتورم، العضو الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ، وبطل التصميم الذكي، مؤلفي التقييم الخاص بالمناخ بأن غرضهم هو الحصول على المال. وتدرّ صناعة النفط وحدها، دون احتساب التكرير والغاز الطبيعي أو الفحم، عائداً يتراوح بين 5 و6 مليارات دولار يومياً بالأسعار الحالية. مع ذلك، فإن المنتفعين في هذا السياق هم مجموعة من العلماء المنتشرين في المعامل والجامعات!
مع ذلك، عدم الاتساق هذا له هدف. سواء يحاول ترمب حقاً إصدار تصريح في هذا الشأن أم أنه يختار عدم القيام بذلك، يساعد ذلك في حمايته من مواجهة اعتراض فعّال جاد، من خلال تحويل عملية الجدل والجدل المضاد إلى مهزلة.
لا يوجد جدل فعلي بشأن العلم، والشاهد هنا هو قول ترمب إنه ليس بالمؤمن. إعادة تصوير المسألة على أنها أمر يتعلق بالإيمان والعقيدة، لا العقل والمنطق، يتيح له تجاهل الأدلة بكل بساطة. كذلك تتوافق مقاومة إجماع الآراء بشأن التغير المناخي مع موضوعات أخرى يؤيدها ترمب، خصوصاً ازدراء «النخب»، من العلماء وغيرهم من المفكرين في هذه الحالة، والتعاون الدولي. بالمثل، يرتبط تشويه سانتورم الحماسي للعلماء بالموضوع الراسخ الخاص بـ«المستنقع»، مع تفادي الخوض في مناقشة القضية الحقيقية.
لذا، التغير المناخي له غرض بالفعل، حيث يكشف عن عزم ترمب في ما يتعلق بمسائل غير ذات صلة أمام مؤيديه. ويجعل ذلك محاولة الإقناع باستخدام دليل أكثر علمية أمراً غير مجدٍ. وقد أوجز لي ديفيد بوكبايندر، كبير مستشاري مركز «نيسكانين» البحثي، المؤيد لاتخاذ موقف بشأن التغير المناخي، الوضع خلال الأسبوع الماضي بقوله: «من الصعب استخدام المنطق في إقناع شخص لم يستخدم المنطق في فهمه بالأساس». كذلك يرى كيفن بوك، المدير التنفيذي لشركة «كلير فيو إنيرجي بارتنرز ليميتد» البحثية، ومقرها واشنطن العاصمة، أنه كثيراً ما كانت المحاولات السابقة لمعالجة التغير المناخي تفشل في جعل المواطنين مقتنعين بما يجب فعله. ومن الأمثلة على ذلك الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب رفع الضرائب على الوقود، فهذا الانفصال عن العامة والشعب يفتح الطريق أمام من يرفضون الأدلة العلمية المتزايدة.
إنها لكبيرة بالنسبة للعالم أن يواصل القيام بتجديد شامل لأنظمة الطاقة به دون إقناع العامة، أليس كذلك؟ مع ذلك، في الوقت ذاته، ربما لا يختلف هذا الأمر كثيراً عن وضع مسار باتجاه عدم تحريك ساكن دون الاقتناع بدليل علمي. يتسم كلا النهجين بالنقصان، لكن يمكن للأفق الزمني السياسي القصير تحفيز الأمور، رغم اتساع النطاق الزمني الصناعي والجيولوجي.
لا يعني ذلك استحالة إحراز تقدم، فالعمل على اتخاذ موقف لعلاج مشكلة التغير المناخي لا يزال مستمراً على مستوى الولايات والمدن، وعلى المستوى القومي في دول أخرى. وفي الوقت الذي لن تسفر فيه الجهود التي سيبذلها الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب المقبل في ما يتعلق بالتغير المناخي عن أي تشريع في ظل وجود الإدارة الحالية، من المرجح أن تصبح المسألة أكثر وضوحاً وأهمية في 2020.
بطبيعة الحال إذا زاد الديمقراطيون الضغط باتجاه هذه المسألة، ربما يزداد تصلب معسكر اليمين وتعنته، لكن لن يمثل ذلك سبباً يدعو إلى التراجع، بالنظر إلى مدى انحدار وتدني مستوى حجج القيادات من الجمهوريين بشأن التغير المناخي بالفعل. من الضروري في كل الأحوال رفع الوعي الشعبي بمخاطر التغير المناخي، وفرص العمل والأعمال التجارية الجديدة التي ستنتج عن التعامل مع المسألة، وليس فقط بأمر التكلفة.
كذلك ينبغي النظر إلى ما وراء «الأفق الزمني السياسي القصير» الذي ذكره بوك. وفي الوقت الذي يهيمن فيه ترمب حالياً على الحزب، تذكرنا نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة، وتكاثف غيوم تحقيق مولر، بأنه غير مخلد سياسياً. ويبدو أن الجمهوريين الأصغر سناً، الذين يبدون أكثر تشككاً من الديمقراطيين أنفسهم، أكثر استعداداً لاتخاذ موقف بشأن التغير المناخي، مقارنة بالجمهوريين المتقدمين في العمر. وكما قال عالم الاجتماع روبرت برول، فإن مفتاح تحول مواقف الجمهوريين بشأن التغير المناخي ربما يكون إحداث تحول في الإشارات التي يقدمها قادة اليمين البارزون، أو النخبة إن شئت القول، نظراً إلى دورهم الرئيسي في تشكيل هذا الشيء الهلامي المسمى بالرأي العام. وقد أوضح جيري تيلور، أحد المنكرين السابقين للتغير المناخي، مؤسس مركز «نيسكانين»، أن تالرئيس ترمب قد تمكن من جعل حزبه يتخلى عن مواقفه التي بدت راسخة بشأن التجارة الحرة، وروسيا، وعجز الموازنة، سريعاً. فمنذ عقد واحد فقط، كان الراحل جون ماكين يقود حملة بشأن التغير المناخي، كمرشح رئاسي جمهوري، فلا يوجد بالضرورة شيء ثابت.
اللجوء إلى التضليل ونظريات المؤامرة يزيد صعوبة تحقيق تقدم، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى مدى هشاشة إنكار التغير المناخي. في النهاية، يمكن أن تقتصر مسألة التغير المناخي على الفكرة التالية: لقد أقمنا مجتمعات مزدهرة تتسم بالرخاء على أساس استخدام الوقود الحفري، لكننا نعرف حالياً أن ذلك الوقود ذاته يهدد بقاءنا ووجودنا، ويتطلب ذلك منا إعادة تصور لكيفية استخدام الطاقة في حياتنا. الأمر بهذه البساطة والصعوبة في الوقت ذاته، وينبغي أن تركز نقاشاتنا، الحادة العنيفة، على الجزء الخاص بإعادة التصور. وستصبح كل الأمور الأخرى، من تداعٍ حرٍ لأفكار الرئيس، والتغريدات على موقع «تويتر»، والمقتطفات من الأحاديث أو المقابلات التلفزيونية المسجلة، مجرد ضوضاء.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»