بسبب ظروف الجغرافيا وتراكمات طويلة تاريخية فشلت أجيال ما بعد الاستقلال في مواجهتها، كان السودان تقريبا أقدم المشاكل العربية بحرب أهلية طويلة استمرت تقريبا ثلاثة عقود بين الشمال والجنوب، بخلاف الأزمات المختلفة وصراعات السلطة وانقلابات وتغيرات في الأنظمة، كلها جاءت بوعود براقة وانتهت والمواطن السوداني شمالا وجنوبا أسوأ حالا.
وفي عام 2011، وهو عام الإعصار السياسي الذي ضرب العالم العربي وغير أنظمة في عدة جمهوريات عربية جرى سريان الاتفاقات التي أبرمت بين الشمال والجنوب بعد استفتاء في الجنوب أسفر عن انفصال السودانيين، مع ترتيبات تعاون بين الجمهوريتين الجديدتين وآمال بأن يكون هذا الترتيب الذي يشبه الدواء المر هو نهاية عقود الصراعات والحروب وبداية تعاون رشيد يرتب لمستقبل أفضل في صالح المواطن في السودانين.
وواقع الأمر أن الأزمات لم تنته شمالا وجنوبا بعد الانفصال، وعلى العكس فقد تفاقمت الأزمات السياسية بما يصاحبها من صراعات داخلية كلها تدور حول السلطة، بما في ذلك احتكاكات بين الجمهوريتين الجديدتين، لكن أحداث المنطقة العربية في ضوء تداعيات عام الانفجار في 2011 من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا التي أصبحت صراعا دمويا، جعلت السودان يغيب عن شاشة المتابعين وحتى القوى اللاعبة إقليميا ودوليا في ضوء أن الجميع يلهث وراء الأزمات الكبرى التي تشكل تهديدات أكبر على السلم الإقليمي والدولي، خاصة سوريا التي راح ضحية الحرب الدائرة فيها أكثر من 120 ألف قتيل وفقا لأرقام متحفظة بخلاف ملايين اللاجئين والنازحين.
لذلك باغتت الأزمة التي تفجرت تقريبا قبل أسبوع في جنوب السودان الدولة الوليدة التي تتمتع بثروة نفطية، الجميع، والمؤكد أنها كانت تغلي تحت السطح لتظهر بهذا الشكل الذي يهدد بانزلاق إلى ما يشبه الحرب الأهلية، تقول بعض التقارير إنها إثنية أو قبلية بينما تؤكد الحكومة هناك أنها محاولة انقلاب في ضوء خلافات داخل الحركة الشعبية الحاكمة.
ومثل كل الأزمات الداخلية التي تأخذ شكلا مسلحا كان هناك خلال أسبوع واحد مئات القتلى وعشرات الألوف من النازحين والهاربين، ولا يزال القتال بين المتصارعين دائرا في ولايات ومناطق مع شواهد على انقسام حقيقي بين شركاء الأمس وأعداء اليوم الذين يستخدمون السلاح ضد بعضهم.
معركة نهايتها معروفة ككل الصراعات الداخلية المسلحة أو الحروب الأهلية وليس فيها منتصر، فالطرفان سيخرجان مهزومين حتى لو انتصر أحدهما على الآخر، نتيجة الخراب الذي يصاحب مثل هذه الصراعات، وبالطبع فإن المواطن العادي هو من يدفع الثمن الأكبر، بخلاف الثارات والتراكمات التي تحدث بين أبناء الشعب الواحد وتحتاج إلى سنوات لمعالجتها وتجاوزها.
والأمل أن تنجح الوساطات الأفريقية الدائرة حاليا في التهدئة بين الطرفين المتصارعين، ولكن الأهم أن توجد إرادة وعقول حكيمة في الداخل تستطيع أن ترى مخرجا للأزمة يتجاوز السلاح والدم، وأن تدرك أن التاريخ لن يرحم الذين يأخذون بلدانهم إلى دوامة الحروب الأهلية، كما أن المنطقة والعالم لا يحتاجان حروبا أهلية جديدة.
9:28 دقيقه
TT
لا أحد يحتاج حربا أهلية جديدة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة