الشرق الأوسط
TT

ليبيا.. الخيار للميليشيات

كان لا بد لليبيا من أن تشهد حالة استثنائية من الفوضى والاضطرابات إثر سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، ذلك أن النظام السابق كان قد حكم ليبيا حكما فوضويا صرفا، ورثته ليبيا الجديدة بعد انتفاضتها.
اليوم وبعد أن دخلت البلاد في العام الرابع لنجاح الليبيين في استعادة كرامتهم وحريتهم، ها هم يقعون مرة أخرى تحت براثن ميليشيات كاسرة حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
وما الهجوم المتكرر الذي يتعرض له مطار طرابلس في منطقة «بنغشير» خلال الأيام الماضية إلا مثال واحد واضح على حالة الفوضى والتردي الأمني اللذين يوضحان مدى الصراع الذي آل إليه الوضع في ليبيا.. فمطار طرابلس بوابة ليبيا إلى العالم؛ لذا نجد هذا الصراع المحموم للسيطرة عليه بين القوى التي ترفع شعارات إسلامية وتيارات أخرى مناوئة.
إن تدمير هذا العدد الهائل من الطائرات والهجوم غير المسؤول بالأسلحة الثقيلة، بما فيه إقحام الدبابات، وأسلحة مضادة للدروع، ينذر أن الوضع في غاية الخطورة، بين قبائل الزنتان التي تساندها كتيبة «القعقاع»، ومصراتة التي تقود كتائب «درع لبيبا». ولكن الوضع قد يتطور إلى مسار خطير إذا ما دخلت على الخط قبائل اعتبارية أخرى في مناطق عدة من البلاد.
إن الليبيين الذين تنفسوا الصعداء وتخلصوا من نظام بغيض لا يمكن لهم أن يرهنوا أنفسهم لميليشيات متصارعة أفسدت هذا النصر العظيم، وعطلت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد بلغ قلق المجتمع الدولي من الوضع في ليبيا حدّا أصبح يفكر فيه بجدية في إيجاد مخرج للقضاء على الفوضى العارمة التي تجتاح هذا البلد، خاصة بعد طلب الحكومة الليبية من مجلس الأمن وضع آلية لحماية حقول النفط.
ليس هناك من شك في أن الأسرة الدولية، وبخاصة الدول الأوروبية، ينتابها القلق من أوضاع المنطقة بأسرها، ولكن ثمة ثلاثة أمور جوهرية تجعلها تهتم بالوضع الليبي بصورة خاصة. لأسباب منها قرب ليبيا من أوروبا، ووجود ثروة نفطية هائلة، وانتشار السلاح ووجوده في قبضة أكثر من 300 ميليشيا متعددة الولاءات والاتجاهات.
وإذا ما تمكنت هذه الميليشيات من السيطرة الكاملة على هذه الثروة النفطية ـ وبعضها بالفعل تمكن من هذاـ فإن ليبيا ستغدو بؤرة عالمية للإرهاب الدولي، ستهدد أول ما تهدد الدول الأوروبية بصورة خاصة، التي يبدو واضحا الآن أنها تفكر جديا في إيجاد حل حاسم للأزمة بأي ثمن.
ووفقا للمعطيات على الساحة الليبية، فإن هناك خيارين أمام الميليشيات، الخيار الأول يتمثل في إلقائها السلاح والتفاوض فيما بينها قبل فوات الأوان، والفرصة سانحة الآن أمام هذه الميليشيات والفصائل المسلحة فعليها أن تستغلها، وتكون بذلك سباقة لإنقاذ بلدها. أما الخيار الآخر فهو المواجهة مع المجتمع الدولي.
لقد آن لليبيين أن يتنفسوا عبير الحرية وينسوا أحقادهم ويبنوا بلدهم، ويجتمعوا على كلمة سواء، بدل الإذعان لبعض الإملاءات الخارجية التي تريد سوءا بالبلد، وتسعى لتوريطهم في مواجهات خاسرة.