جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

هاتفك أذكى منك ومني

عندما أطلق عليه مخترعوه اسم «هاتف ذكي» كانوا يدركون ما يفعلون وكانوا على دراية أيضا بما سيحل بمستخدميه، فلا ذكاؤهم غير قانوني ولا القانون يحمينا نحن المغلفين.
ففي دراسة قرأتها مؤخرا وأصدرتها جامعة «تكساس» تبين فعليا أن وجود الهاتف الذكي على مقربة من الشخص، إن كان في حقيبة اليد أو على المكتب أو في أي مكان يسهل للعين رؤيته، يؤثر على أداء الشخص سلبا في عمله، ويجعل التركيز أقل، والخبر الأسوأ هو أنه يحول الدماغ إلى وعاء فارغ، وهذا يعني بمعنى آخر، أنه لم ترد الدارسة أن تشرح جروحنا لتقول إن وجود الهاتف الذكي معنا باستمرار يجعلنا «أغبياء».
منذ فترة وأنا أتساءل: «هل التكنولوجيا سهلت حياتنا أم زادتها تعقيدا؟» لأكتشف من خلال قراءتي عدة مقالات لأطباء نفسيين واختصاصيين في هذا المجال، بأن التكنولوجيا تساعدنا على حل كثير من المشكلات الحياتية ولكنها بالوقت نفسه تجعلنا أقل ذكاء لأننا نعتمد عليها بشتى أوجهها بشكل مستمر.
ففي السفر سهلت التكنولوجيا علينا كثيرا من الأمور، فبكبسة زر واحدة يمكنك الاختيار ما بين آلاف الوجهات والفنادق والمطاعم وشركات الطيران... في السيارة لا نستغني عن صوت تلك السيدة المجهولة التي تأمرنا بالولوج يمينا ويسارا ونتبعها مثل فاقدي البصر، لدرجة يختفي فيها المنطق ونتحول إلى روبوتات تنفذ ما تسمع ولو أمرنا ذلك الصوت الإلكتروني بالتوجه إلى حافة الهاوية فنثق به ونتبع.
الخطر في حياتنا اليوم هو الوتيرة السريعة لتطور التكنولوجيا، ففي الماضي كان يمكن التمييز ما بين جيل الستينات والسبعينات والثمانينات... ولكن منذ التسعينات أصبح هناك جيل جديد كل سنة وأقل، فمن هو في أوائل العشرين يعد عجوزا بحسب التقويم التكنولوجي ومفهومه الجديد، لأن العشريني لم يشهد وسائل التواصل الاجتماعي في بداية حياته وتراه يتخبط في التعلم والتأقلم في تطور التكنولوجيا التي أصبح أربابها أبناء الرابعة من العمر الذين يتقنون استخدام المنتجات الإلكترونية ويتفوقون على أهاليهم.
وأكبر خطر في الموضوع هو اعتمادنا على التكنولوجيا بشكل مخيف، فهل تتخيل نفسك من دون هاتفك الذكي؟ لا بد أنك تركت هاتفك في المنزل مرة عند توجهك إلى العمل، وأنا متأكدة بأنك عدت أدراجك إلى المنزل لأن حاجتك إلى الهاتف ماسة ولم تعد تتحمل فراقه، وعشقك تجاهه يتعدى عشق روميو لجولييت.
والسبب في تعلقنا بالتكنولوجيا هو نجاحها في التغلب على أذهاننا وعقولنا وذكائنا، ففي الماضي كنت أذكر أرقام هواتف عماتي وأعمامي وأهلي وأصدقائي وخالتي وخالي عن ظهر قلب، أما اليوم فإذا تذكرت رقم هاتفك المحمول فسوف تتوج بلقب «ملك الذكاء في العالم».
كما أن ما أثبتته الدراسات هو أن ذكاء الإنسان تأثر سلبا بسبب التطور التكنولوجي واقتحامه لحياتنا ولحظاتها لحظة بلحظة لأنها أذكى منا، فالخطورة تكمن في استخدامنا شيئا يفوقنا ذكاء، تماما وكأنك تلعب بقنبلة موقوتة قد تنفجر بين يديك في أي لحظة، ومن دون سابق إنذار.
كل مفردة من مفردات حياتنا ترتكز على التكنولوجي والمشكلة هي أننا لا نملك البديل، فهناك عدة أنواع من الأشغال التي قد تشل حركتها بالكامل في حال حدث أي طارئ على التكنولوجيا المستخدمة فيها، تماما مثلما حصل في كومبيوترات مطار هيثرو ثاني أكثر مطار ازدحاما في العالم، مما أدى إلى انقطاع سبل المسافرين وتذبذب الحركة الملاحية لأكثر من يومين.
وحتى لا أتحامل على التكنولوجيا وأبدو وكأني من محاربيها، فسأقول إنها سهلت حياتنا كثيرا وجعلت المعلومات تأتينا أسرع من البرق، وجعلت عقولنا تتفوق على ذاتها في تعلم حذافيرها المتجددة على الدوام، وهذا بمثابة بصيص أمل، يطمئننا ويقول: «لستم أغبياء كليا بعد».