تريزا رفائيل
TT

لا سبيل للخروج من «بريكست»

تمر حكومة تيريزا ماي بحالة انقسام مريرة بشأن مستقبل العلاقات التي تتطلع إليها المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي. فإذا ما شاهدنا دخاناً أبيض يتصاعد من غرفة اجتماعات رئيسة الوزراء عقب نهاية الاجتماع المقرر يوم الجمعة القادم في مقر إقامتها الريفي بمنطقة «تشيكرز» فسيعنى ذلك أنها قد نجحت في إنهاء حالة الانقسام، على الأقل في الوقت الحالي.
ليس من الحكمة استبعاد تيريزا ماي، لكن حتى إن توصلت إلى اتفاق في شكل تلك الورقة البيضاء التي طال انتظارها والتي تحدد علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي مستقبلاً، ستكون تلك هي مجرد واحدة من العقبات الكثيرة المفترض إزالتها قبل أن يمر الوقت وتخرج بريطانيا من منظومة الاتحاد من دون توقيع اتفاق على الإطلاق.
وأياً كان ما سيحدث الجمعة، فما من سبيل للالتفاف حول حقيقة أن بريطانيا وأوروبا تحتاجان إلى المزيد من الوقت لكي تصل بريطانيا إلى اتفاق تجاري قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي «بريكست». فقد ارتكبت تيريزا ماي خطأ قاتلاً في الطريقة التي تعاملت بها مع تلك القضية حتى الآن. فقد أمسكت بالساعة لتتحكم في موعد «بريكست» قبل الأوان بعامين وفجرت الفقرة رقم «50» المتعلق باتفاقية لشبونة والاتحاد الأوروبي حتى قبل أن يكون لحكومتها أدنى فكرة عما تريده من المفاوضات. وتعد الارتباك وحالة الفوضى التي سادت بعد ذلك نتيجة لذلك القرار المتسرع.
وقد عكس خطاب الحكومة الخاص بالفقرة «50»، والذي تكون من ست صفحات تتعلق بالموقف الرسمي للدولة، ذلك الفكر المشوش. (هل كانوا فعلاً يراهنون على أن التهديد الأخرق بتقليص التعاون في مكافحة الإرهاب سيوكز الاتحاد الأوروبي ويدفعه لقبول الاتفاق)؟
عند صياغة الفقرة «50»، لم يكن هناك تفكير في المدة التي ستستغرقها مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن عامين فقط مدة تكفي الدولة العضو الراغبة في الخروج إن كانت تدرك جيداً ما تريد، لكن بريطانيا لم تكن كذلك. فقد كان من الصعب الوصول إلى حالة إجماع في مجلس الوزراء – المنقسم انقساماً عميقاً بشأن نوعية اتفاق الجمارك الذي تريده، ناهيك عن بعض الأمور الأخرى.
ويعد الوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قفزة أخرى، حيث أن تحقيق ذلك بحلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) الذي حدده الاتحاد الأوروبي كموعد نهائي، أو حتى شهر ديسمبر (كانون الأول)، سيكون بمثابة الفرصة الأخيرة، وهو أمر أشبه بتحدي الجاذبية الأرضية.
وحتى في ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلاً – وهو تلاشي الانقسام في مجلس الوزراء والاتفاق على الخروج الكامل بحلول شهر أكتوبر – سيكون أمام البرلمان وقت محدود للتدقيق في مشروع القانون. حينئذ ستتبقى مسألة تصديق البرلمان الأوروبي والحصول على الأغلبية الكافية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (20 دولة على الأقل) في المجلس الأوروبي. لكن ماذا لو أن الجدول اتسع قليلاً؟ إن الفقرة «50» تعطي المجلس الأوروبي صلاحية اتخاذ قرار تمديد فترة العامين المذكورين. وكان الافتراض السائد هو أن الدولة العضو يتعين عليها أن تسأل أولاً. لكن ليس هناك من سبب يجعل الاتحاد الأوروبي يحجم عن تقديم فترة التمديد لتيريزا ماي من دون أن تتقدم الأخيرة بطلب في هذا الصدد.
سيستفيد كلا الطرفين من الاتفاقية. وربما يجادل الاتحاد الأوروبي بالقول بأن مصالحه قد تضررت أيضاً من مقترح خروج بريطانيا من دون اتفاقية تغطي التجارة ومزارع الأسماك وحقوق المواطنين والحدود الآيرلندية، وغيرها من الأمور. ما من شك في أن بريطانيا ستتحمل العبء الأكبر، لكن المخاطر عالية بالنسبة للمصنعين والمستهلكين والقطاعات المالية في أوروبا أيضاً. ومن شأن تمديد المهلة أن يعطي بريطانيا المزيد من الوقت لتحديد وضعها. وربما يرى الاتحاد الأوروبي إجراءات الفقرة «50» مؤلمة بدرجة كبيرة بالنسبة للمملكة المتحدة، سواء سياسياً أو اقتصادياً، وأنها عائق أمام غيرها من الدول الأعضاء بالاتحاد الذين تراودهم نفس الأفكار.
بالطبع، سيخشى داعمو «بريكست» من أن يكون ذلك مجرد التفاف بهدف التيقن من أن «بريكست» لن يتم. هناك بالفعل الكثير من النقاشات، منها ما يدور في البرلمان نفسه بشأن تمديد فترة الإعداد للخروج من الاتحاد، وهو ما يعارضه مؤيدو «بريكست». لكن ربما تجادل تيريزا ماي بأنه حتى وإن استغرق الأمر وقتاً أطول بقليل، فسوف يعني ذلك على الأرجح اتفاقاً أفضل وفترة انتقالية أقصر. ورغم أن شعارها السابق كان، «ليس هناك أفضل من الصفقة السيئة»، فقد بات لدى المملكة المتحدة الآن سبب يجعلها تحذر من أنه «ليس هناك صفقة» يمكنها أن تفسد «بريكست» نفسه، ومن غير الواضح كيف سيكون رد فعل البرلمان حال لم يكن هناك اتفاق أو كان هناك اتفاق لا يوافقون عليه. لكن كل الرهانات ستبطل لو أن هذا حدث، وسيتعين الموافقة على أي طلب من قبل جميع أعضاء الاتحاد السبعة والعشرين. ربما أنهم قد سئموا من المملكة المتحدة ومن إجراءات «بريكسيت» ويتمنون مواصلة الضغط على المملكة المتحدة. وسيعارض البعض فكرة استمرار بريطانيا في البرلمان الأوروبي بعد انتخابات مايو (أيار) 2019. بيد أن الفكرة حصلت على بعض الزخم من أن رفض مدة الفترة سيكون استهلالاً خطراً من شأنه أن يضر بالعلاقات في المستقبل.
ربما لا يكون تمديد فترة الخروج من الاتحاد الأوروبي السبيل الوحيد لإيقاف عقارب ساعة الفقرة «50». فبرلمان المملكة المتحدة ربما يرفض اتفاق الخروج الذي يعقبه تصويت بسحب الثقة من الحكومة أو البدء في مفاوضات بشأن ما سيحدث بعد ذلك. قد يدفع ذلك الاتحاد الأوروبي إلى إيقاف الساعة إلى أن يتخذ البرلمان قراراً بقبول عدم إبرام اتفاق أو أن تقبل الحكومة بمواصلة المفاوضات. لو أن محكمة العدل الأوروبية طلب منها إصدار حكم بشأن اتفاق الخروج الجديد، فقد تتوقف عقارب ساعة الفقرة «50» أيضاً. لكن أياً من هذه النتائج سيجذب أنصار «بريكسيت» الذين يودون ضمان إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي.
تمكنت تيريزا ماي من النجاة من كل ذلك لأنها نجحت في التلاعب بالقضايا الكبيرة التي سببت الانشقاق في صفوف حزبها. ولذلك لو أن الحصول على الإجماع الآن بات عائقاً كبيراً، فيمكنها على الأقل اللعب لكسب المزيد من الوقت.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»