الوجوه.. لا فكاك منها، تحاصرك في اليقظة بل حتى في الأحلام، لا تستطيع أن تفلت في عزلتك منها، تخلد للراحة في محل إقامتك لتهرب منها، فتأتي إليك من كل جانب، تتخلص من التلفزيون، وتظن أنك حبستها، فتزداد غلغلة في خيالك، محاصرة إياك، بل خانقة وحابسة أنفاسك. تحاول أن تنسى الوجوه، تقرأ في علم الكواكب لتهرب إلى سماء الله الواسعة فتصطدم بها هناك، إنها قبالتك بعدد النجوم، تقرأ عن علم البحار وتسبح بخيالك في جزره المرجانية وتنساق مع جمالها الخلاب، فترى الوجوه أمامك وخلفك وعن يمينك وشمالك. تخرج إلى اليابسة مجددا وتقرأ في الجغرافيا، ولكنك ترى الخرائط شبيهة بالوجوه.
لا فكاك من الوجوه وأنت تفكر، في كل فكرة يخرج معها وجه.
الذاكرة لا تستطيع أن تتخلص من وجوه، وتفرض عليك أن تراها حتى في المخيلة.
تنام لتتخلص منها، فتأتي إليك في الأحلام أصفى من الحقيقة.
بعض الوجوه متعبة.. تتعبك معها، وهي قد تكون في نفس طيبة. وبعض الوجوه تريحك، وقد تكون في نفس ماكرة. هكذا يحل التعب في الراحة، وتحل الراحة في التعب.
***
الوجه قد ينبئ عمّا بداخل الإنسان، ولكن هذا ليس بالضرورة.
الوجه قد يوظف في التكبر والمباهاة، والأُبَّهَة، مثله مثل الأنف.
فماذا تقول اللغة في الوجه، وما في هذا الوجه؟
هناك دقة متناهية في هذه اللغة، فكل مفردة فيها لا تطغى على الأخرى:
حَسَرَ فلان عَنْ رَأْسِهِ
وسَفَرَ عَنْ وَجْهِهِ
افْتَرَ عَنْ نَابِهِ
كَشَرَ عَنْ أَسْنَانِهِ
أماط اللثام
أصبح أهل هذه اللغة يفقدون مفرداتها شيئا فشيئا. وأنت تسأل امرؤا عن شيء معين، فيشير إليه بـ(هذا) أو (هذه) لأنه لا يعرف معناه.
فكلمة مثل: عرنين يعرفها كثير من الناس، بينما (النَّثْرَةُ) لا يعرفها إلا قليلون جدا، وموضعها فرْجَة ما بَيْنَ الشَّارِبين. ولكن اسمي الإشارة (هذا ـ هذه) حل لهم المشكلة. وكلمة (وتيرة) يعرفها كثير من الناس، ويستعملونها مثل قولهم: إنهم على وتيرة واحدة. ولكن معنى الوَتَرَةُ هو: الحاجز ما بين فتحتي الأنف أو المنخرين. ومن معاني الوَتِيرةُ: الوَرْدةُ البَيْضاء. والمارن الأنف، قال المتنبي:
ليس الجمال لوجه صح مارنه
أنف العزيز بقطع العز يُجتدع
وماذا عن معنى الخنس في الأنف وماذا تعني الخنساء، ومفردة الخشم ما تعني؟!
وقصارى القول هو أنه ينبغي إعادة تأهيل اللغة العربية، إن صح التعبير، واستعمال هذه المفردات وتداولها في وسائل الإعلام، وأخذ توصيات مجامع اللغة على محمل الجدّ.
كانوا يسمون الوجه المحيا أيضا.
يقولون فلان سمح المحيا.
والوجه يعبر به عن التفرع أحيانا، فيقولون هذه مسألة حلها متعدد الوجوه. وهذه مسألة لها أوجه شتى. ويقولون وجه الأمر أي لبّه.
ووجه البيت أو البناء: الخَدُّ أو الجانب الذي يكون فيه بابه.
ويقال: هذا وَجْهُ الرأْيِ أَي هو الرأْيُ نَفْسُه.
وفي حُسْنِ التدبير يقال: فلان ضرب وجْهَ الأَمر وعيْنَه.
والوَجْه والجِهَةُ بمعنى، والهاء عوض من الواو، والاسم الوِجْهَةُ والوُجْهَةُ، بكسر الواو وضمها.
ووَجْهُ النهار: أَوَّلُهُ.
ووَجْهُ الكلام: السبيلُ الذي تقصده به.
وما له جِهَةٌ في هذا الأَمرِ ولا وِجْهَةٌ، أَي لا يبصر وجْهَ أَمره كيف يأْتي له.
والجِهَةُ والوِجْهَةُ: الموضعُ الذي تَتَوَجَّهُ إليه وتقصده.
وتَجَهْتُ إليك أَتْجَهُ أَي توجهتُ، لأَن أَصل التاء فيهما واو. وتوَجَّه إليه: ذهب. والمُواجَهَةُ: المُقابلَة، وهي أيضا: استقبالك الرجل بكلام أَو وَجْه.
ولقيه وِجاهاً ومُواجَهةً: قابَل وجْهَهُ بوجْهِه.
ووُجُوهُ القوم: زعماؤهم، واحدهم وَجْهٌ، وكذلك وُجَهَاؤهم، واحدهم وَجِيهٌ.
ورجل ذو وَجْهينِ إذا لَقِيَ بخلاف ما في قلبه.
الوَضَّاحُ الرَّجُلُ الحَسَن الوَجْهِ.
ووضاح اسم شهير في الأدب العربي، كان شاعرا عاشقا وهو وضاح اليمن.
وفي تَرْتِيبِ حُسْنِ المَرْأَةِ:
إِذا كانَتْ بِهَا مَسْحَة مِن جَمَال فَهِيَ وَضِيئَة وجَميلَةٌ.
فإذا أشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضاً في الحُسْنِ فهِي حُسَّانَة.
فإذا اسْتَغْنت بِجَمَالِهَا عَنِ الزِّينةِ فَهِيَ غَانِيَة.
والغِنى مقصورٌ: اليسار. تقول منه: غَنِيَ فهو غَنِيٌّ.
وتَغَنَّى الرجل، أي استغنى، وأغْناهُ الله.
وتَغانَوْا، أي استغنى بعضُهم عن بعض.
كلانا غنيٌ عن أخيه حياتَه
ونحن إذا متنا أشدُ تغانيا
والمَغْنى: واحد المَغاني، وهي المواضع التي كان بها أهلوها. قال المتنبي:
مغاني الشعب طيبا في المغاني
بمنزلة الربيع من المكان
فإذا كَانَتْ المرأة لا تُبالِي أنْ لا تَلْبَسَ ثَوْباً حَسَناً ولا تَتَقَلَّدَ الجواهر وخَلا جِيدُها من القَلائد والتزيين، فَهِيَ مِعْطَال.
فإذا قُسِمَ لَهَا حَظ وَافِر مِنَ الحُسْنِ فَهِيَ قَسِيمَة.
فإذا كانَ النَّظَر إِلَيْهَا يَسُرُّ الرُّوعَ فَهِي رَائِعَةٌ.
فإذا فاق حسنها كل هذا فَهِيَ بَاهِرَةٌ.
وقالوا في تَقْسِيمِ الحُسْنِ:
الصَّبَاحَةُ في الوَجْهِ. والصَّباحةُ: الجَمال، وقد صَبُحَ، بالضم، يَصْبُح صَباحة.
ورجل صَبِيحٌ وصُباحٌ، بالضم: جميل، والجمع صِباحٌ.
الأَصْبَحُ: الشديد حمرة الشعر، ومنه صُبْحُ النهار مشتق من الأَصْبَح، والصَّبَحُ بَريقُ الحديد وغيره.
والصُّبْحَةُ، بالضم: نَوْمُ الغَداةِ، وكان العرب يكرهون ذلك، لأنه وقت كسب العيش والعمل. فمن قال إن العرب يكرهون العمل؟
الوَضَاءَةُ في البَشَرَةِ
الجَمَالُ في الأَنْفِ.
الحَلاوَةُ في العَيْنَيْنِ.
المَلاحَةُ في الفَمِ.
والمِلْحُ: الحُسْنُ من المَلاحة.
وقد مَلُحَ يَمْلُحُ مُلُوحةً ومَلاحةً ومِلْحاً أَي حَسُنَ، فهو مَليح ومُلاحٌ ومُلاَّح.
ويقال للنَّدَى الذي يسقط بالليل: أَمْلَحُ، لبياضه.
والمِمْلَحَةُ ما يُجعَل فيه المِلْحُ.
وأنت ترى أنه لا يقال سمك مالِحٌ، بل الصواب أن يقال: سمك مَليحٌ ومملوحٌ.
ووجهٍ كأن الشمس ألقتْ رداءها
عليه نقيّ اللون لم يتخددِ
8:7 دقيقه
TT
وجوه
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة