د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

حول الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 8 مايو (أيار) انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران مستبقاً بذلك الموعد الذي كان مقرراً فيه إعلانه البقاء في الاتفاق من عدمه وهو 12 مايو. نسير مع القارئ الكريم لنرى ردود الأفعال تجاه ذلك القرار ومآلات نتائجه.
خلال الكلمة التي أعلن فيها ترمب انسحابه أشار إلى أن التفاوض كان ضعيفاً حول الاتفاق النووي مع إيران، وتوجد أدلة بأن الوعود الإيرانية كانت كاذبة، كما أن الاتفاق النووي سمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، ولم يضمن الحد من نشاطات إيران التي وصفها بـ«الخبيثة»، ولم يأت هذا الاتفاق بالسلم لأحد.
على ضوء ما تقدم أعلن ترمب أن الولايات المتحدة ستفرض أشد العقوبات على إيران وقد يشمل ذلك دولاً أخرى متواطئة مع النظام الإيراني وكان قد وقّع على مذكرة يأمر فيها جميع الجهات المختصة بإعادة فرض كل العقوبات التي علقها أوباما والمرتبطة بالبرنامج النووي. وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أن أمام الشركات الأوروبية بضعة أشهر لإخراج أنفسها من إيران، وأن الولايات المتحدة مستعدة لعقد محادثات أوسع حول اتفاق نووي جديد.
انعكست أصداء ذلك القرار على الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي مع إيران، حيث أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن كلاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا تأسف للقرار الأميركي بالانسحاب وستسعى للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي الحفاظ على مصالحها الاقتصادية. وفي السياق نفسه جاءت التصريحات الصينية والروسية لتصب في الاتجاه ذاته، والرغبة في الإبقاء على الاتفاق النووي. أما الجانب التركي فأعلن وزير الاقتصاد التركي أن التجارة مع إيران ستمضي بقدر المستطاع ولن تكون خاضعة لمحاسبة أي طرف آخر. أما إردوغان فيرى أن أميركا ستخسر من قرار انسحابها من الاتفاق النووي.
أما الموقف الإيراني فيمكن أن نستشفه من خلال التالي:
- إبراز التزام النظام الإيراني بالاتفاق النووي وبالتالي إلقاء اللوم على الجانب الأميركي وأن انسحابه لم يكن سوى تأكيد على أنها ناقضة لعهودها.
- محاولة المحافظة على إطار الاتفاق والاعتماد على بقية الدول الأوروبية المشاركة بالإضافة إلى الصين وروسيا.
- تفعيل الجهود الدبلوماسية التي أعلن عنها وزير الخارجية الإيراني من خلال زيارات الدول الأوروبية الرئيسية، يتضح ذلك من خلال الاجتماع المرتقب الاثنين المقبل بين ظريف ونظرائه الفرنسي والألماني والبريطاني.
- تطمينات للداخل الإيراني بأن الأمور ستكون تحت السيطرة ولن يلقي هذا القرار بظلاله سلبياً على إيران.
- تصريحات مناوئة للقرار من خلال المؤسسة العسكرية وتحديداً الحرس الثوري الذي قال قائده محمد جعفري إن أميركا تستهدف البرنامج الصاروخي الإيراني.
وفقاً لوزير الخزانة الأميركي ستعاد فرض العقوبات على النظام الإيراني في الفترة من 90 إلى 180 يوماً على النحو التالي:
- تُحد الصادرات النفطية الإيرانية بعد 180 يوماً وتقييم مدى تعاون الدول في الحد من استيرادها النفط الإيراني.
- بعد 90 يوماً يمنع بيع الدولار والذهب والمعادن الثمينة بالإضافة إلى الصفقات مع قطاع السيارات مع إيران، وسحب تراخيص بيع الطائرات المدنية من بوينغ وإيرباص.
- اعتباراً من 6 أغسطس (آب) سيفرض حظر على استيراد السجاد والمواد الغذائية الإيرانية.
- بعد الـ180 يوماً ستطال العقوبات الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن. كما ستُفرض قيود على تحويلات مالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني وخدمات التأمين. يمكن للقارئ ملاحظة أن قرار ترمب قد جاء في صورة رسائل مختلفة أراد إيصالها لمستويات متعددة، منها للداخل الأميركي بأنه ملتزم بالوفاء بوعوده وهو ما ذكره صراحة في كلمته. رسالة أخرى موجهة للغرب تمثلت في تقديمه لموعد إعلان القرار ولعل ذلك جاء في ردة فعل للبيان المشترك لكل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا أعلنوا فيه بقاءهم على الاتفاق النووي حتى في حال انسحاب أميركا. رسالة ثالثة موجهة إلى كوريا الشمالية والتي تجلت مضمونها من خلال ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي بأن الانسحاب رسالة لكوريا الشمالية بأن أميركا لن تقبل باتفاق ضعيف.
لا شك أن ارتباط الدول الأوروبية بالسوق الأميركية والنظام الدولي للتحويلات المالية SWIFT والتعاملات بالدولار جميعها تجعل خيارات هذه الدول محدودة للغاية في إنقاذ الاتفاق النووي ومصالحها الاقتصادية في إيران. فالأمر هنا هو اختيار المفاضلة بين أمرين، إما السوق الإيرانية أو مقارنة السوق الأميركية وضخامتها.
يتساءل القارئ الكريم هل سيعاود النظام الإيراني التخصيب بنسب عالية؟ من المستبعد عودة النظام الإيراني إلى التخصيب والإخلال ببنود الاتفاق؛ لأن ذلك يعني فقدان الشرعية وبالتالي انسحاب بقية الدول الغربية من ذلك الاتفاق، وهو ما يدفعه إلى البحث عن مخارج أخرى لا يبدو أنها ستلقى قبول الإدارة الأميركية. ستنعكس نتائج ما سيتمخض عنه لقاء الرئيس الأميركي بنظيره الكوري الشمالي وكيفية إنهاء الأزمة مع كويا الشمالية بلا شك على موقف النظام الإيراني سلباً أم إيجاباً.