إيلي ليك
TT

احذروا فخ السلام الكوري

يبدو أن المشككين كانوا مخطئين للوهلة الأولى. فلقد سافر زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إلى كوريا الجنوبية يوم الجمعة للقاء نظيره هناك. ولقد وافق الطرفان من حيث المبدأ، على إنهاء الحرب التي قسمت شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين. ولقد وافق زعيم كوريا الشمالية كذلك على البيان المشترك الذي يدعو إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. فما الذي لا يروق لكم في ذلك؟
الكثير! ولكي نفهم السبب، لنلقِ نظرة على «إعلان بانمونجوم للسلام والازدهار والوحدة في شبه الجزيرة الكورية» الصادر عن الرئيسين كيم ومون جاي - إن، في أعقاب الاجتماع المشترك.
ولنبدأ بالقضية الأكثر أهمية للولايات المتحدة وجيران كوريا الشمالية، وهي الملف النووي. يقول البيان: «أكدت كوريا الجنوبية والشمالية على الهدف المشترك والمتمثل، من خلال النزع الكامل للأسلحة النووية، في شبه الجزيرة الكورية الخالية تماماً من الأسلحة النووية». كما يقول أيضا إن الدولتين «تتشاركان الرأي بأن الإجراءات التي شرعت كوريا الشمالية في اتخاذها ذات مغزى مهم وحاسم للغاية في نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية». وتعهدت كلتا الدولتين أخيراً بطلب المساعدة والتعاون من المجتمع الدولي لتحقيق هدف نزع الأسلحة النووية.
يبدو هذا الأمر جيداً للغاية، غير أنه ليس كذلك. فلقد استخدمت كوريا الشمالية، على مدار التاريخ الماضي، عبارة «نزع الأسلحة النووية» للإفادة بأنه لا ينبغي للولايات المتحدة تمديد مظلتها النووية لحماية كوريا الجنوبية. وكما أوضح إيفانز ريفز، المسؤول الأسبق في الخارجية الأميركية، في محاضرة حديثة لدى معهد بروكينغز، أنه فسر المحاورون الكوريون الشماليون ذلك المفهوم خلال المحادثات مع المسؤولين الأميركيين بأنه يعني «إزالة التهديد الذي يشكله التحالف الأميركي - الكوري الجنوبي، ومن جانب المظلة النووية الأميركية التي تدافع عن كوريا الجنوبية واليابان».
ويستمر ريفز في التوضيح قائلاً إنه في مقابل الخطوات المتخذة والرامية إلى تقويض التحالف الأميركي الكوري الجنوبي، عرض الجانب الكوري الشمالي «النظر في نزع الأسلحة النووية في إطار زمني يبلغ 10 إلى 20 عاماً، في حالة شعور بيونغ يانغ بالأمان التام». وربما أنهم يقصدون شيئا مختلفا هذه المرة. ولكن الأمر يعتبر بمثابة راية الإنذار الحمراء أن يوافق كيم على العبارة نفسها التي كانت تعني في المناقشات السابقة شيئا مختلفا كل الاختلاف عن نزع الأسلحة النووية القابل للتحقيق.
ثم هناك تلك اللغة الغريبة التي تتعلق بإعلان كيم الآخر أن إيقاف إجراء التجارب الصاروخية الكورية الشمالية يعتبر لدى الزعيمين «من الإجراءات ذات مغزى مهم وحاسم للغاية في نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية». فهو ليس كذلك على أي حال.
فلقد قال كيم بنفسه في الخطاب الوطني للعام الجديد في بلاده، إنه لا يرى من ضرورة لإجراء المزيد من التجارب الصاروخية الباليستية العابرة للقارات. والاختبار الحقيقي لالتزام كيم بشأن نزع الأسلحة النووية يكمن في قياس مستوى الشفافية التي يوفرها لمفتشي الأسلحة النووية.
أيضاً من المثير للقلق بصورة خاصة أن كوريا الجنوبية تبدو وأنها موافقة على التوقف عن السماح لمواطنيها بإرسال الكتيبات والمنشورات عبر الحدود لكسر احتكار كوريا الشمالية للمعلومات عن مواطنيها؛ إذ يقول البيان المشترك: «اتفق الجانبان على تحويل المنطقة منزوعة السلاح إلى منطقة سلام بالمعنى الحقيقي، وذلك من خلال وقف كل أنواع الأعمال العدائية اعتبارا من الأول من مايو للعام الجاري وإزالة جميع أشكالها».
إن هذا من أكثر الأضرار المجحفة اللاحقة بالشعب الكوري الشمالي..
وأخيراً، ينبغي على الرئيس دونالد ترمب أن يشعر بقلق حقيقي بشأن ما يعنيه البيان المشترك بين الكوريتين للاستراتيجية الخاصة بممارسة الضغوط القصوى على بيونغ يانغ ما لم يقدم النظام الحاكم هناك التنازلات الجادة والملموسة بشأن الملف النووي.
ولهذا ينبغي أن يتوخى الرئيس الأميركي المزيد من الحذر حيال خطواته القادمة على هذا المسار. وهو يحتاج إلى التأكد التام من أن كوريا الجنوبية لن تسعى إلى إعلان سلام مستقل مع جارتها الشمالية اللدود. كما أنه في حاجة أيضاً إلى أن يتمتع بحس سليم إزاء الخطوات الحقيقية التي سوف يتخذها كيم في ملف نزع السلاح. وحتى ذلك الحين، ينبغي على الرئيس الأميركي الإبطاء من الدبلوماسية الأميركية ثم الانتظار. لقد أظهر كيم مدى براعته السياسية في الحصول على عناوين الأخبار المفعمة بالأمل والتفاؤل، وهذا دليل على التواطؤ وليس حسن النوايا... فلنحذر!

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»