جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

شكراً...

كلمة واحدة تختصر الكثير من العبارات، تريح نفس ناطقها وتطرب أذن سامعها... «شكراً».
وما أجملها من كلمة، وبخاصة إذا ما كانت نابعة من القلب. وها أنا اليوم أقولها بملء صوتي لأناس لا أعرفهم، وللجنة أجهلها، ولمنظمة أقدّرها وأحترمها لأنها برهنت على أن الجوائز الحقيقية لا تزال موجودة، وأنه لا يزال هناك من يقرأ ويقدر ويفهم المعنى المخفي ما بين السطور.
شكراً، لكل من صوّت لكتاباتي عن السياحة، وشكراً لكل من رأى في سطوري فكرة جميلة، وشكراً لكل من يتنفس الحروف المكتوبة.
ففي اليوم الذي تلقيت فيه اتصالاً من أحد زملائي في الصحيفة لتهنئتي لحصولي على جائزة أفضل كاتبة سياحة في العالم العربي، فوجئت لأني بالفعل لم أكن أعرف.
والفرحة كانت فرحتين، ربما لأني لم أنتظر هذه اللفتة التي أقدرها كثيراً من قبل المركز العربي للإعلام السياحي، ومن قبل منظمة السياحة العالمية، وكم أنا سعيدة لمعرفة أنه لا يزال هناك من يقرأ في عالمنا العربي، ومن يقدر الجهد و«المعنى في بطن الشاعر».
وبالعودة إلى تعبير الشكر والامتنان، لطالما شعرت بأن أسوأ خصال بعض البشر هي عدم التقدير والتعالي على كلمة «شكراً»، فهذه الكلمة غير مكلفة، لا بل تغني قائلها وتجعله أكبر في نظر الغير.
وكم نتعلم في حياتنا من الظروف التي نمر بها، فالحزن مثل الفرح هو مثل الامتحان الذي يبرز نوايا العالم من حولنا.
فعندما تلمّ بنا مصيبة ندرك من هم الأصدقاء الذين يستحقون لقب الإخلاص والتفاني، والدعم المعنوي والإنساني، وفي الفرح أيضاً نعرف نوايا من يفرح لفرحتنا، ويحزن بسببها، ويغار وينقهر ويتقهقر، ومن يبارك وينافق، ومن يغص وكأن كلمة «مبروك» علقت في القصبة الهوائية وقطعت الأوتار الصوتية، وهناك من يتناسى ومن يتظاهر، وأخيراً من يقلل من شأن الفرحة.
هذه ليست المرة الأولى التي أحصل فيها على جائزة رفيعة في مجال السياحة وغيرها، إنما هذه المرة كان للتقدير نكهة مختلفة؛ لأنه بالفعل صدق من قال إنه «لا يصح إلا الصحيح»؛ والسبب هو أني أحب ما أفعل وأفعل ما أحب، والكتابة في مجال السياحة ليست مجرد عمل أعتاش منه بصفتي صحافية، إنما هو هبة الله الذي أقدّرها وأغذيها بأسفاري ومخيلتي، وكتاباتي الصادقة التي تصلني بقارئ لا أعرفه.
عندما سئلت في مقابلة أجريت معي أخيراً عن أسلوبي في الكتابة، لم أتردد بالقول إن أسلوبي غير معقد، وأحب من يصفه بالسهل الممتنع، فتقرأه تجده سهلاً، تحاول تقليده تتعب. لكن السر فيه هو الصدق الذي أترجمه في كل كلمة واحترام ذكاء القارئ واختيار المعاني الجميلة والبعيدة عن التعقيد، والأهم من هذا هو هدفي الأول والأخير في إيصال فكرة وحكاية، ونقل القارئ إلى مكان آخر دون الاستعانة بالطائرة، فأقوم أنا بدور جناح العصفور الذي لولاه لما حرك الطائر ساكناً، ولم يكتشف أصقاع الأرض وأجمل ما فيها.
النجاح ليس صعباً، لكن ما هو أصعب منه هو المحافظة عليه، ويا له من شعور عندما تحصل على جائزة تقدير من الملايين؛ لأنه أول ما يأتي على ذهنك هو كلمة «مسؤولية».
فلا أخفي عنكم سراً بأن هذه السطور كتبتها بتردد كبير يرافقه القلق؛ لأني شعرت وكأنها المرة الأولى التي أكتب فيها، فالثقل زاد وبخاصة أن الجائزة جعلتني أتنبه إلى أن كل كلمة نكتبها تُقرأ، ولها تأثيرها ووقعها، وهذا عبء جميل يحثنا على الأفضل وإلى التقدم إلى الأمام لنقول «شكراً ومليون شكراً».