مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

قيادات العالم تبحث عن «مستقبل مشترك»... فهل تجده في دافوس؟

بعد أسبوع من اليوم، ستتوافد شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية من حول العالم إلى منتجع دافوس السويسري الواقع في جبال الألب، لحضور 4 أيام من العصف الذهني والنقاشات المعمقة حول أهم التطورات الدولية، بالإضافة إلى إتمام صفقات وبناء علاقات بين دول ومؤسسات من مختلف أرجاء المعمورة. ينعقد «المنتدى الاقتصادي العالمي» للمرة الـ48 بين 23 و26 يناير (كانون الثاني) الحالي، تحت عنوان «خلق مستقبل مشترك في عالم متصدع» هذا العام. وهو عنوان ملائم للأجواء العالمية الحالية، في عالم متصدع تظهر فيه الخلافات التي باتت بحاجة ماسة لتصور أكثر شمولية لمستقبل مشترك. من الاختلاف حول كيفية التعامل مع الدول المارقة إلى انعدام الاتفاق حول كيفية معالجة التغيير المناخي، التصدع صفة تعبر عما وصلنا إليه اليوم. وقد بات الواقع أكثر تعقيداً مع وجود رئيس أميركي لا يؤمن بالعمل الجماعي، بل يشدد على الانقسامات في المجتمعات الداخلية والمجتمع الدولي. ومفاجأة «دافوس» هذا العام هي إعلان الرئيس دونالد ترمب مشاركته في المنتدى، مما يتنافى مع تصريحاته الشعبوية، ولكن يتماشى مع اعتماده بشكل كبير على شخصيات من عالم المال والأعمال، خاصة من مصرف «غولدمان ساكس» الذي يعتبر شريكاً استراتيجياً للمنتدى.
وسيكون أمام العالم في «دافوس» هذا العام رؤيتان مختلفتان من الغرب؛ واحدة يقدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو النموذج التقليدي للقادة الذين يتوافدون على دافوس، ليبرالي، يطالب بتعاون دولي لحل المشاكل. وأما الرؤية المختلفة فهي الرؤية الشعبوية (الأحادية) التي يمثلها الرئيس ترمب، والتي لا تبالي لحاجة العمل الجماعي الدولي. ومن اللافت أن مسؤولاً من البيت الأبيض صرح بأن ترمب سيذهب إلى دافوس لـ«الترويج لسياساته لتقوية الشركات والصناعات الأميركية»، من دون ذكر الحاجة للتوصل إلى حلول لقضايا دولية.
ومن الشؤون التي لطالما اهتم بها المنتدى الاقتصادي العالمي قضية البيئة وضرورة مواجهة التغيير المناخي. وبينما يؤيد ماكرون العمل الدولي الجماعي على حماية البيئة وتبني سياسات تقلل من وقع التغيير المناخي، من المعروف أن ترمب من أكثر المعارضين لهذه السياسات، وهو ما برهنه مع انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ العام الماضي. سيكون من اللافت المقارنة بين الرجلين، بينما من غير المؤكد بعد مشاركة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في المنتدى، الذي لم تحضره في العامين الماضيين. ولكن يبدو أنها قد تقرر المشاركة لدعم رؤية ماكرون ورفع أصوات المنفتحين على التعاون الدولي.
على صعيد آخر، ستكون قضية المساواة بين الرجل والمرأة وحماية حقوق المرأة في مقدمة القضايا المطروحة في «دافوس»، خاصة مع الحملة الحالية في الغرب لدعم قضايا المرأة. وكل عام، يواجه المنتدى الاقتصادي العالمي انتقادات لقلة المشاركة النسائية في المنتدى – التي تقدر بحوالي 17 في المائة فقط. إلا أن المنتدى يصر على أن هذه النسبة القليلة من المشاركة النسائية تعكس التركيبة العالمية للمجالات السياسية والاقتصادية، التي عادة لا تفسح المجال كثيراً للنساء بتولي مناصب ريادية، مما يعني خلو صفوف القيادات المدعوة لـ«دافوس» منهن. وسعياً للتأكيد على مناصرة للمرأة، أعلنت المنظمة أن 7 سيدات سيترأسن المنتدى هذا العام، من بينهن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيسة وزراء النرويج إيرنا سولبيرغ. وهناك عدة جلسات مخصصة لهذه القضية على أجندة المنتدى، بينما ستكون نسبة مشاركة النساء مادة دسمة للإعلاميين هذا العام.
أما في ما يخص العالم العربي، فخلال السنوات السبع الماضية، ذكرى منتدى عام 2011 لا تفارق من يهتم بالمنطقة. فكان الوزراء ورؤساء الشركات والإعلاميون من المنطقة المشاركون في «دافوس» يراقبون عن بعد تطورات تونس ومصر ويتساءلون عن مصير تلك المظاهرات التي لم يكن معروفاً بعدها حينها. وقرر عدد من المشاركين آنذاك، من بينهم الأمين العام للجامعة العربية الأسبق عمرو موسى، قطع المشاركة في المنتدى والعودة إلى المنطقة مع تفاقم الاحتجاجات فيها. عدنا عام 2012، ليشهد «دافوس» مجيء قيادات عربية إسلامية، من بينها رئيس وزراء المغرب حينها عبد الإله ابن كيران والمرشح للرئاسة المصرية السابق عبد المنعم أبو الفتوح، لم تكن مألوفة في «دافوس» من قبل، والكثير منهم لم يعودوا إليه بعدها. ومن بين المشاركين هذا العام سيكون الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي ما زالت بلاده تعاني من اضطرابات تبرهن على أن المشاكل التي تم تداولها عام 2011، ما زالت قائمة. ويشارك هذا العام أيضاً رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وسط تساؤلات عن مستقبل البلدين مع الاستعداد للانتخابات المقبلة.
ولكن المختلف في أجندة هذا العام، مشاركة دولة عربية بقوة في المنتدى في المجال التقني والعلمي؛ اذ ستكون التطورات التقنية مطروحة للنقاش، ومن المرتقب أن تحضر دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة هنا، مع مشاركة وزير الذكاء الصناعي عمر العلماء، والوزيرة المسؤولة عن العلوم المتقدمة سارة الأميري، والوزيرة المسؤولة عن ملف الأمن الغذائي مريم المهيري. هذا بالإضافة إلى وفد إماراتي حكومي قوي يشمل عدداً من الوزراء المختصين بمجالات أخرى. ولكن وجود أصوات عربية في مجال التقنية والعلوم المتقدمة أمر أساسي ليكون لنا صوت في كيفية بلورة هذا القرن ونجد دولة الإمارات في الصدارة.
كل هذه القضايا ستطرح خلال أكثر من 400 جلسة من المرتقب أن يحضرها 2500 مشترك من مائة دولة أثناء جدول المنتدى المزدحم. وبينما وجود نخبة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين يؤكد ثروة النقاش المتوقع الأسبوع المقبل، تبقى أسس التوصل إلى حلول مشتركة غير متوفرة. وبينما «دافوس» يقدم منصة مهمة لوضع أجندة العام المقبل، على عاتق المسؤولين أنفسهم تغيير سلوكهم وتوجههم من أجل التوصل إلى «الحلول المشتركة» المطلوبة بإلحاح.