حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الموجة القادمة!

هناك مثل ومقولة ساخرة تردد دائماً أن هناك بنكاً لكل مواطن في لبنان، وأن عدد العاملين في البنوك اللبنانية أكثر من عدد العاملين في المطاعم.
لبنان كان تقليدياً مركزاً للصناعة المصرفية، وبالتالي تحول مع الوقت البنك المركزي فيه إلى أهم رموز الدولة، وكان دوماً استقرار البنك المركزي وبالتالي العملة فيه، هو عنصر الأمان المهم والأهم للإبقاء على هوية الدولة.
مهما تمادت الخلافات بين الرؤساء الثلاثة والأحزاب السياسية، إلا أنه يوجد «شيء ما» يلوح في الأفق القريب يهدد وبقوة هذا الاستقرار، فهناك بوادر عقوبات مالية وإدارية «حاسمة وغير مسبوقة» بسبب اختراق كم مهول من المال المشبوه الذي يتم غسله في البنوك التجارية لمصلحة تنظيم حزب الله الإرهابي من مصادر في أميركا الجنوبية وغرب أفريقيا وبعض الدول العربية في مقدمتها سوريا، إضافة إلى إيران. وهناك أدلة وبراهين «دامغة» لدى السلطات الأمنية والمالية في الدول المؤثرة في الغرب لإثبات صحتها ضد السلطة المالية الأهم. وهذا يذكرنا بتصريح وزير الخارجية السعودي عن هذه المسألة والذي «حذر» فيه من وضع البيئة التحتية المصرفية في لبنان وتوغل المال المريب فيه بشكل مخيف. ولن تكون هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الجهاز الرسمي للبنك المركزي في لبنان لهزة عنيفة، فالذاكرة لا تزال حية وتتذكر جيداً ما الذي حل بكل من البنك اللبناني - الكندي وبنك المدينة والاتهامات التي وجهت ضدهما بسبب الحسابات المشبوهة التي لها علاقة بتنظيم حزب الله الإرهابي والمخابرات السورية وأدت إلى عقوبات هزت الأسواق اللبنانية في حينها.
أيضاً يذكرنا التاريخ بكارثة بنك إنترا الشهيرة التي تناولها الباحث اللبناني - الكندي المعروف كمال ديب في كتابين مهمين، وكيف تم اختراق المال المريب لأحد أهم البنوك وقتها والتلاعب في الأرصدة لصالح كيانات مريبة وخطيرة. وقدم الباحث الأدلة والبراهين التي تؤكد تواطؤ شخصيات وأجهزة لتحقيق هذه التجاوزات التي تسببت بهزة هائلة في القطاع المصرفي اللبناني. هذه المرة يجري الحديث عن وجود أكثر من مصرف من الوزن الثقيل «متورطة» في تغطية حسابات لأشخاص ومؤسسات يتم «فلترة» و«غسل» كم مهول من الأموال عبر «مظاهر» خيرية وتجارية جرى كشفها بأنها مجرد غطاء لأنشطة تجارة المخدرات وتجارة السلاح وتمويل الإرهاب.
لبنان كان في حالة إنكار مهولة للتعامل مع هذا «الفيل الذي يجول في محل الأواني الخزفية»، ولكن الفصل المقبل من العقوبات لا ينذر بخطر على مصرف أو مصرفين، بل يمس النخاع الشوكي نفسه للجهاز المصرفي، وبالتالي إمكانية إصابته الاقتصاد بالشلل وتأثيره المدمر على الليرة اللبنانية والأسعار بشكل عام، لأن كل شيء تقريباً جرى «تسييسه» في لبنان، وبالتالي حتى البنك المركزي، كما يبدو، فشل في اتباع وتطبيق سياسة النأي بالنفس، وعليه فإن الفاتورة هذه المرة تبدو مهولة.
الموجة القادمة من العقوبات على لبنان جادة جداً و«ما فيها مزح».