عثمان الذوادي
باحث واستشاري في التسويق ومهتم بقضايا الابتعاث والتحولات الاجتماعية
TT

شرط امتداد التخصص

يعاني بعض خريجي برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي من رفض الجامعات السعودية لانضمامهم للعمل ضمن الكادر الاكاديمي بحجة ان تخصصاتهم بين مرحلة البكالريوس وبقية مراحل الدراسات العليا مختلفة. استخدام هذا الشرط يعكس مشكلة أعمق، ليس لأن هذا الشرط مهم والاخلال به مضر بالجانب الاكاديمي. بل على العكس تماماً، يعتبر التنوع اثراء معرفيا، ولا تشترط الجامعات العريقة حول العالم ولا غيرها امتداد التخصص عند استقطابها لخريجي الدكتوراه للعمل فيها. اذن لماذا تشترط الجامعات السعودية امتداد التخصص عند التوظيف في حين لا يوجد لهذا الشرط وجود في الجامعات العريقة حول العالم؟ لمحاولة الاجابة على هذا السؤال لا بد من العودة الى الوراء قليلاً. فخلال العقود التي سبقت انطلاقة برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي عام ٢٠٠٥ كان الابتعاث لمرحلة الدكتوراه يتم عن طريق الجامعات وبنسبة اقل عن طريق الوزارات. وتقوم الجامعات وتحديداً الاقسام العلمية في كل كلية باختيار مجموعة من بين طلابها ممن أكملوا مرحلة البكالوريوس للعمل كمعيدين في هذه الاقسام تمهيداً لابتعاثهم لإكمال الماجستير والدكتوراه والعودة للعمل فيها. وقد بدأت ازمة "امتداد التخصص" بالظهور على السطح عام ٢٠٠٩ بالتزامن مع دعوة وزارة التعليم العالي للجامعات السعودية للاستفادة من خريجي برنامج الابتعاث من خلال يوم المهنة في واشنطن. وكانت الجامعات (وما تزال) تعاني من شح في الكادر الاكاديمي نتيجة عوامل منها قلة فرص الابتعاث للمعيدين خلال العقود الماضية وشبه التوقف في الابتعاث الى اميركا بعد احداث سبتمبر ٢٠١١. وتضاعفت الأزمة مع افتتاح الجامعات الجديدة وما حصل نتيجة لذلك من حركة انتقال في السلك الاكاديمي للعمل بمميزات افضل في الجامعات الجديدة. وايضاً تعاني الجامعات من تسرب الاكاديميين الى سوق العمل، سواء في القطاع الحكومي او الخاص. كل هذه العوامل دفعت الوزارة للضعط على الجامعات لاستقطاب خريجي الابتعاث لسد الحاجة الماسة في الكادر الاكاديمي. وقامت الوزارة بدعوة الجامعات السعودية فقط لحضور ايام المهنة التي أقيمت في واشنطن عام ٢٠٠٩ و ٢٠١٠ حتى لا تنافسهم الشركات والجهات الحكومية الاخرى على الخريجين. لكن كانت استفادة الجامعات قليلة جداً لأن مبدأ استقطاب طلاب من خارج الجامعة كمعيدين أمر غير اعتيادي وينطوي عليه توسيع لدائرة صنع القرار في التعيين، بعكس العملية التقليدية التي تتم داخل كل قسم علمي وبشكل مسيطر عليه. بالاضافة الى ان عدم مشاركة ممثلين عن الاقسام والكليات ضمن وفد الجامعة ليوم المهنة قد يترتب عليه رفض أي ملف يحول لهم. السيئ في الامر ان التضخيم من أهمية شرط امتداد التخصص للتغطية على الاسباب الحقيقية لرفض خريجي الابتعاث من قبل الجامعات، خلق مشكلتين كبريين، الاولى، ان وزارة التعليم العالي تشددت في عملية امتداد التخصص للطلاب المقدمين على الابتعاث وعلى طالبي ترقية البعثة، وكان كل هؤلاء سيتم توظيفهم في الجامعات. في حين ان سوق العمل الذي سيستوعب هؤلاء المبتعثين، له تقييم مختلف. فعلى سبيل المثال تطلب شركة «جي اي» الاميركية مهندسين حاصلين على ماجستير في ادارة الاعمال، والشركة تربطها عقود بالمليارات مع كل من وزارة الصحة، وارامكو، والتحلية وغيرها. بمعنى آخر، أدت الاسباب الصورية التي ساقتها الجامعات لتبرير عزوفها عن استقطاب خريجي الابتعاث الى التاثير السلبي على مخرجات برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي. الامر الآخر السيئ هو طريقة التعامل مع المتقدم للعمل في الجامعات والتي تسيء للطالب وتحرم الوطن الكثير. فعندما يآتي من يرغب في التقديم على الجامعة يكون الحوار سريعاً لأن مندوب الجامعة يسأل مباشرة عن التخصص في البكالوريوس، واذا كان هنا اختلاف يرفض الطالب مباشرة ولا تستلم اوراقة او تحول للقسم العلمي للدراسة، وهذا كفيل بحرمان السلك الاكاديمي فرصة للاطلاع على ملفات المتقدمين بالاضافة للإهانة الشخصية التي يتعرض لها الطالب وكأنه لا يستحق النظر في ملفه. وفي المقابل تجد من خلال بحث في السير الذاتية للكادر الاكاديمي انه يوجد عدد كبير ممن لا ينطبق عليهم شرط امتداد التخصص ممن يعملون في الجامعات السعودية.