عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

محمد بن سلمان... فريدمان واللاءات الثلاث

«لأنني أخشى أنه في يوم وفاتي، سأموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني. إن الحياة قصيرة جداً، وقد تحدث الكثير من الأمور، كما أنني حريص جداً على مشاهدته بأم عيني - ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري» كان هذا جواب ولي العهد السعودي على سؤال الصحافي الأميركي توماس فريدمان عن سبب استعجال الأمير في حسم كافة الملفات في وقتٍ متقارب.
الأمير محمد بن سلمان لم يبهر الصحافيين الذين يلتقيهم بين فينة وأخرى فحسب، بل لقد بهر قادة العالم من كبار السياسيين بخططه ومشاريعه، وأبهر كبار المستثمرين في العالم بأحلامه وطموحاته التي لا يحدها سقفٌ، ولغة فريدمان في هذه المقابلة تبدو مليئة بانبهارٍ أراد عدم إظهاره بشكلٍ صريحٍ، ربما بحثاً عن مزيد مصداقية لدى القارئ الغربي.
ولي العهد مدمنٌ على العمل والإنجاز وهو بالفعل يحفز بهمته العاملين معه كثيراً، لأنه يريد من الجميع أن يعمل بنفس السرعة والتطلع والشغف الذي يتملكه شخصياً، والسعوديون يشاركون الأمير تخوفه على نفسه، بل ربما أكثر منه، لأنهم يريدون له أن يحقق أحلامه وآماله العراض لخدمتهم وخدمة استقرار الوطن وتنميته، ونقل الأجيال الحالية والقادمة إلى مستوى جديد من التحضر والتقدم.
كبيرٌ لا يفكر إلا بشكل واسعٍ وشاملٍ وكبيرٍ، هو عرّاب رؤية السعودية 2030 والمشاريع العديدة التي تخدمها وتدفع باتجاهها، وعلى رأسها مشروع التحول الوطني 2020، وهو غير بالفعل غير الفكرة النمطية عن السعودية وعزز مكانتها منذ تسنمه مهامه كولي لولي العهد ثم ولياً للعهد بخطواتٍ كبرى باتجاه المستقبل، كان الجميع يتخوف منها ويخشى اتخاذ قرارٍ فيها، وهكذا تبنى الدول من جديد، بالتطوير المستمر والتنمية المستقرة ووضوح الرؤية والهدف والشجاعة في اتخاذ القرار.
ثلاثة مشاريع كبرى تقدم أمثلة على طريقة تفكير الأمير، مشروع القدية شرق الرياض العاصمة، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع نيوم في أقصى الشمال الغربي للبلاد، إنها مشاريع اكتسبت ثقة كبار المستثمرين في العالم للمشاركة في رؤى الأمير وطموحاته والاستثمار معه.
مسألتان حاسمتان كانتا تشكلان الخطر الأكبر على مستقبل السعودية وعلى صورتها حول العالم، الفساد والتطرف، أما الفساد فقد كان حديث الأمير في المقابلة صريحاً، وواضحاً بأن القضاء على الفساد يجب أن يتم من الأعلى للأدنى بخلاف كل التجارب السابقة التي فشلت، لأنها كانت تبتدئ من الأدنى للأعلى، وهي شجاعة غير مسبوقة في محاسبة كائن من كان قولاً وفعلاً.
أكثر من مائتي موقوفٍ تمّت تبرئة بعضهم لعدم كفاية الأدلة، ووافق خمسة وتسعون في المائة على التسوية وإعادة الأموال لخزينة الدولة، والأمير ينقل عن النائب العام أن المبالغ التي يتم استردادها تقارب المائة مليار دولار، وأن النائب العام مستقلٌ تماماً في عمله، وسخر من أي تفسيراتٍ غير موضوعية في تفسير هذا الحدث الكبير، وأن التأييد الشعبي للأمير غير مسبوقٍ في حجمه وسعته، وأكثر من هذا فقد كان الملك سلمان بنفسه خلف هذه الخطوة الكبيرة، وأن السعودية لا يمكن لها أن تستمر في دول العشرين G20، مع كل هذا الحجم من الفساد، فضرب الفساد اليوم هو محاسبة للماضي وضمانة للمستقبل.
أما التطرف، وهو المحضن الطبيعي للكراهية وصناعة السخط والإحباط والإرهاب، فقد كانت رؤية الأمير تجاهه واضحة وحازمة، ألم يقل صراحة بأننا «سنقضي على التطرف وندمره اليوم وفوراً» وحجم الإصلاحات في هذا الاتجاه التي قام بها الأمير لا يتصوره كثيرون حول العالم، بل لا أحد يصدق في السعودية أنه تم القضاء على أي دورٍ سلطوي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقرارٍ واحدٍ، وأن المرأة نالت حقها في قيادة المرأة للسيارة، وهي المسألة التي لطالما تم التهجم على السعودية بسببها، ضمن منظومة متكاملة لتمكين المرأة السعودية في كافة المجالات والمناصب، وأكثر من هذا لقد تحدث الأمير بنفسه عن العودة إلى ما كانت عليه البلاد قبل العام 1979، أي قبل انتشار وتفشي خطاب وجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي في السعودية مثل الإخوان المسلمين والسرورية والقطبية وحزب التحرير وأحزاب الأمة وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش وأمثالها، إنها صفحة طويت، وستتم ملاحقة فلولها بكل ما تحتاجه من وقتٍ وقوة قرارٍ.
إنها رؤية يحكمها حديث الأمير لفريدمان بقوله: «لا نقول إننا نعمل على (إعادة تفسير) الإسلام - بل نحن نعمل على (إعادة) الإسلام لأصوله، وأن سنة النبي (محمد) هي أهم أدواتنا، فضلاً عن (الحياة اليومية) في السعودية قبل عام 1979»، وهو ما يعني القضاء كلياً على خطابات التطرف والإرهاب والعودة للإسلام التقليدي في السعودية، قبل أن يتلوث بخطابات التطرف، وهي عملية تحتاج جهداً ووقتاً لازمين لإنجاحها.
لا يفهم كثيرٌ من الغربيين مدى خطورة نظام الولي الفقيه في إيران، ورعايته للإرهاب بشقيه السني والشيعي على مدى عقودٍ، وقد قال الأمير لفريدمان: «أن المرشد الأعلى (الإيراني) هو هتلرٌ جديد في منطقة الشرق الأوسط». وأضاف قائلاً: «غير أننا تعلمنا من أوروبا أن الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا (هنا) في الشرق الأوسط». فتشبيه خامنئي بهتلر من قبل الأمير هو تشبيه صادق وصادم في الوقت ذاته، وهو ما ينبه العالم أجمع الذي يعرف جرائم هتلر إلى جرائم النظام الإيراني ومستوى خطورتها.
هذا نموذجٌ للنهج الجديد في السياسة الخارجية السعودية التي باتت تقود الدول العربية لمواجهة الخطر الإيراني، والشواهد لا تحصى على الأرض في كافة الملفات الكبرى في المنطقة، من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان، فضلاً عن دول الخليج العربي والسعودية تحديداً، لا مهادنة بعد اليوم ولا إقرار لأي تدخلات إيرانية في دول المنطقة، فطول الخطأ والخطيئة الإيرانية لا يمنحها أي مشروعية.
إنها ثلاث لاءاتٍ سعودية تعبر عن السعودية الجديدة خير تعبير، لا للفوضى واستقرار الفوضى الذي تقوده إيران، ولا للتطرف والإرهاب جماعات وأحزاباً ورموزاً وأفراداً، ولا للفساد بكافة أنواعه إن بالسرقة والاختلاس وإن بالولاء للأجنبي وشق الوحدة الوطنية.
أخيراً، تضمن تقرير فريدمان حديثاً متكرراً عن «الهوية» الجديدة للسعودية، وهو موضوعٌ جللٌ وبالغ الأهمية ويستحق كل ذرة جهدٍ تبذل باتجاهه، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.
[email protected]