سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لبنان بلا حزب الله!

للشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، كتاب عن الحزب صدرت طبعته الأولى عام 2002 في بيروت، ويحمل هذا العنوان: «حزب الله... المنهج... التجربة... والمستقبل»!
وحين قرأت الكتاب، وقت صدوره، كنت مهتماً بالبحث فيه عن إجابة لسؤالين: أولهما ماذا يريد الحزب من وراء نشأته عام 1982، وثانيهما ما هو المستقبل الذي يراه الحزب لنفسه؟!
وفي الإجابة عن السؤال الأول يقول الشيخ قاسم: «الحزب يؤدي دوراً وطنياً من موقعه الإسلامي، ويحرص على الوحدة الداخلية، ويعمل مع كل الأطراف لتحقيق التكامل في الأدوار، خدمة للمجتمع، ويجاهد لتحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني، ويطرح قناعاته كما الآخرين بالأساليب السياسية المتاحة».
وأما الإجابة على السؤال الثاني، فموجودة في فصل كامل في آخر الكتاب، وهو فصل تستطيع أن تستنتج منه معنى محدداً... هذا المعنى هو أن الذين يرهنون بقاء الحزب ببقاء الاحتلال، في نظر نائب أمين عام الحزب، مخطئون، لأنه حزب يملك منهجاً شاملاً للحياة، ويسعى بالتالي إلى التعامل طول الوقت مع مشاكل الواقع المتجددة باستمرار!
ولهذا السبب خاض الانتخابات البرلمانية لأول مرة في لبنان، عام 1992، ببرنامج حزبي توجه به إلى ناخبيه، وهو برنامج منشور في الكتاب على حال.
وإذا ما خطر لك، كقارئ للكتاب، ومراقب للواقع اللبناني الذي يقول الحزب أنه يطرح حلولاً لمشاكله على أرض الواقع، فستكتشف أن هناك تناقضاً حاداً بين ما يقال نظرياً، للناس، وبين ما يُمارس عملياً من جانبه كحزب، مع سائر القوى السياسية في البلد!
وسوف تكتشف شيئاً آخر مُكملاً لهذا التناقض بين الفعل وبين الكلام... هذا الشيء هو أن جماعة الحزب في الدولة اللبنانية، تتصرف بالمنطق نفسه الذي تصرفت به جماعة الإخوان في مصر، قبل وصولها إلى السلطة، وبعده، وتتصرف به الآن جماعة الحوثي في اليمن، على عكس ما كانت تقوله قبل أن تستقوي على باقي مكونات الحياة السياسية على أرض اليمن السعيد!
والمنطق في الحالات الثلاث واحد!
فجماعة الإخوان كانت منذ نشأتها عام 1928 إلى 25 يناير (كانون الثاني) 2011، تتكلم لغة المشاركة، وكانت تتحدث في كل مناسبة تجمعها مع أي قوة سياسية في المجتمع، عن أن هذه اللغة... لغة المشاركة... هي اللغة التي تفهمها هي، إذا ما تعاملت مع أي مكون سياسي مصري في أي وقت!
وكان المصريون يصدقونها!
وما كادت تصل إلى الحكم في 2012، حتى انقلبت المشاركة إلى مغالبة، وحتى أصبحت لا ترى سوى نفسها، وحتى نسيت ما كانت تتكلم عنه زمان، ووصل الأمر إلى حدّ أن محمد مرسي أصدر إعلاناً دستورياً شهيراً في نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس العام، راح يحصن به نفسه كرئيس للجمهورية، ليس فيما يتصل بما سوف يصدره في المستقبل من قرارات، ولكن فيما يتعلق بكل ما صدر عنه من قرارات في الماضي!
وكان ذلك الإعلان الدستوري غير المسبوق، هو بداية النهاية للوجود الإخواني في الحكم، لأن اللغة التي سادت فيه هي لغة المغالبة، لا المشاركة!... ولم يكن المصريون في عمومهم مستعدين لفهم لغة كهذه، ولا لابتلاعها، ولا لاستيعابها، ولا حتى لهضمها!
ولم تختلف جماعة الحوثي، ولا حاولت أن تستوعب درس «الإخوان»... إنها جماعة يمنية... هذا صحيح... وهي جماعة لها أنصارها بين اليمنيين... هذا أيضاً صحيح... ولكن غير الصحيح أن تتصرف باعتبارها الجماعة السياسية اليمنية الوحيدة، أو الجماعة الأكبر، فتدخل إلى صنعاء للاستيلاء عليها، ولا تعترف بأن لها شركاء في الوطن، وبأن لهم فيه مثل مالها بالضبط، وبأنها ما دامت لا تملك غالبية بين اليمنيين، فإن عليها أن تتصرف على هذا الأساس، أساس المشاركة الذي يبني الأوطان، في مثل هذه الحالة، لا أساس المغالبة الذي يهدمها، ويقوّض أركانها!
ولا يختلف سلوك حزب الله داخل لبنان، عن السلوك الإخواني، ولا عن السلوك الحوثي، ففي كل خطوة يخطوها على أرض لبنان، يبدو وكأنه لم يسمع بما جرى لـ«الإخوان» في القاهرة، على يد المصريين، ولا بما يجري للحوثيين في اليمن على يد اليمنيين، قبل أن يجري على يد قوات التحالف العربي، التي تريد أن يكون اليمن لليمنيين جميعاً، بمن فيهم الحوثيون أنفسهم، لا أن يكون للحوثي وحده!
إنني أبحث فيما يقوم به الحزب منذ فترة، عما يمكن أن يكون حرصاً على الوحدة الداخلية، أو تكاملاً في الأدوار، أو طرحاً للقناعات بالأساليب السياسية المتاحة، على نحو ما شرح الشيخ نعيم في كتابه، فلا أجد، ولا أقع على شيء مما قال هو أن الحزب سيلتزم به وهو يعمل!
وهل يمكن أن يكون تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، لعامين ونصف العام، كما حدث بعد انتهاء فترة حكم الرئيس ميشيل سليمان، نوعاً من الحرص على الوحدة الداخلية؟!
أو أن يكون سحب وزراء الحزب ووزراء حلفائه، من الحكومة، قبل لقاء سعد الحريري مع أوباما بدقائق، عام 2011، طرحاً مناسباً لقناعة من قناعات حزب الله في العمل السياسي؟!
أو أن يكون توجيه سلاحه في وقت من الأوقات إلى داخل العاصمة بيروت، من قبيل تكامل الأدوار الذي تكلم عنه نائب الأمين العام، في كتابه، وأكد عليه؟!
أبحث عن ذلك كله، منذ فترة، فلا أجده، وهذه الفترة لا بد أنها المدة التي انشغل فيها الحزب عن المقاومة التي نشأ من أجلها، بكل شيء آخر سواها!
لقد جاء وقت على البابا تواضروس الثاني، قال فيه هذه العبارة الباقية: «وطن بلا كنائس، خير من كنائس بلا وطن». قالها وهو يعنيها وقت أن واجه الأقباط محنة كبيرة، على مستوى عدد من الكنائس، وكان ذلك بعد أن فقد «الإخوان» الحكم، وراحوا يستهدفون كنيسة هنا، وأخرى هناك!
ولو آمن الحزب في لبنان، بأن لبنان بلا حزب الله، خير من حزب الله بلا لبنان، لوافق كلام الشيخ نعيم في الكتاب، مقتضى الحال!