طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

التوازن بين التاريخ والجغرافيا

قال لي المخرج طارق العريان إنه رشح نجماً من جيل مطلع التسعينات لمشاركة أحمد عز بطولة فيلم «الخلية» في نفس الدور الذي أداه محمد ممدوح، وافق النجم إلا أنه اشترط أن يكتب اسمه موازياً على «التترات» لاسم عز.
حاول طارق إقناعه بأن هذا مستحيل، لأن عز صار اسمه أكبر في التوزيع الخارجي والداخلي، وأن الجمهور يقطع التذكرة من أجله، أجابه قائلاً: «أنا سبقته بعشر سنوات»، وهي حقيقة، فلقد كان له بطولات في أفلام لعمالقة الإخراج بحجم صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، وحسين كمال، إلا أنه لم يتحقق كنجم جاذب للجمهور، ولهذا لم يعد مطلوباً على الخريطة السينمائية، ووصل إلى طريق مسدود، وضاعت الفرصة، من المؤكد كان سيستفيد منها النجم المعتذر.
الجمهور الذي يقطع التذكرة من أجل عز كان سيراه متألقاً في مشاهده، إنه يريد إيقاف عقارب الزمن عند مرحلة كان هو فيها رقم واحد على «الأفيشات» و«التترات».
إنها العلاقة بين الزمان والمكان، التاريخ والجغرافيا، تلك هي المعادلة، الذي أنجزته في المشوار هو التاريخ، ووضعك الحالي على الخريطة هو الجغرافيا.
في الحياة الفنية كثيراً ما تواجهنا، هذه المعضلة، التي تؤرق الكثير من النجوم في عالمنا العربي، كل فنان لديه طريقته الخاصة في المواجهة، عندما تمتد بهم السنوات وتتغير المعادلات الفنية، ومع الأسف لم يتعلم هؤلاء الدرس من نور الشريف الذي كان يتنقل في الأدوار، ووافق على أن يسبقه مثلاً أحمد عز في تترات فيلم «مسجون ترانزيت»، وهو ما فعله بعده محمود ياسين، الذي وافق على أن يسبقه أحمد السقا في «الجزيرة».
بعض الفنانين، يراهنون على تاريخهم الفني ويقدمون «السي في»، لشركات الإنتاج طمعاً في مكانة أعلى أدبياً أم مادياً، بينما الإجابة تأتي قاسية، وهي أن الزمن لم يعد زمنهم.
كانت الفنانة الراحلة الكبيرة، كريمة مختار تشكو من أنهم لا يتعاقدون معها على أجر، ولكنهم يتعاملون بـ«اليومية»، كل يوم تصوير تتقاضى عنه مبلغاً مالياً، والحقيقة أن من شرعت هذه القاعدة، وكانت تعمل بها في آخر ربع قرن من مشوارها الفني هي مريم فخر الدين. كانت مريم في زمنها «الخمسينات» هي النجمة الأولى التي يتسابقون على التعاقد معها، وكل رغباتها أوامر، إلا أن سرعان ما تغيرت الدنيا، ولم تتمسك هي بالقمة، ولم تناضل من أجل البقاء، نعم كان أمامها أن تفعل مثل هند رستم وتعتزل، أو مثل فاتن حمامة التي حرصت على ألا تشارك إلا فقط في القليل من الأفلام التي تحافظ على مكانتها. أرفض أن يتنازل الفنان أدبياً، ولكني مع المرونة، الاعتزال المبكر مثلما فعلت هند رستم، لا أراه حلاً صائباً، كانت مريم تردد عندي التزامات، يجب أن أسددها شهرياً ليس لدي قدرة على تغيير القانون السينمائي.
مؤخراً مثلاً اعتزل كل من يوسف شعبان ومحمود الجندي، كان من بين الأسباب المعلنة أن شركات الإنتاج لا تحترم تاريخهما، وتكتب أسماءهما بأسلوب غير لائق، يوسف شعبان مثلاً كثيراً في السبعينات والثمانيات ما كان يسبق على «التترات» أسماء مخضرمة مثل عماد حمدي، ومحمود المليجي، وصلاح منصور، هذا هو قانون السينما الذي انتقل بالضرورة للتلفزيون، فلا أحد يستطيع مصارعة الأمواج العاتية.
على الفنان أن يجد معادلة تحافظ على التاريخ ولا تتجاهل في نفس الوقت الجغرافيا.