ثلاث سنوات وثلاثة أشهر مرت إلى حد الآن على الانتفاضة الليبية التي أدت، وبمساعدة مباشرة من حلف شمال الأطلسي الـ(ناتو)، إلى إطاحة النظام التعسفي للعقيد الراحل معمر القذافي.
كان الـ«ناتو» ترك ليبيا فعليا للفوضى والدمار، وبدأت الأمور في هذا البلد تأخذ منحى خطيرا جدا، حتى إنها لم تعد هما وطنيا فقط، بل غدت هما عربيا وغربيا وعالميا أيضا.
وبعيدا عن الاحتقان السياسي الذي تشهده ليبيا، فإن الفوضى الضاربة أطنابها هناك، قد تقود البلد إلى حرب أهلية ربما يمتد لهيبها إلى المنطقة بأسرها ويحولها إلى مسرح وقاعدة لمزيد من الإرهاب والفتك والدمار.
إن أخطر ما في ليبيا الآن هو أنها تحوّلت إلى ساحة لمختلف الجماعات الإرهابية والتنظيمات التي ترفع ألوية وشعارات إسلامية، وثمة عصابات مسلحة ينضم إليها الإرهابيون والمجرمون واللصوص، ويتزامن هذا مع انتشار السلاح في كل ركن فيها.
لقد أثبتت الحكومة المؤقتة والمؤتمر الوطني عجزهما الكامل وفشلهما الذريع في إيجاد آلية تخرج البلد من هذا النفق المظلم والوضع المدمر، نتيجة الترتيبات والمماحكات القبلية، والحسابات الضيقة المرتهنة للمصلحة الفردية متجاهلة مصلحة الوطن العليا.
أمر آخر ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار وما زال عالقا في رؤوس بعض حملة السلاح الليبيين، وهو أن هؤلاء مقتنعون حقا بأنهم الذين أطاحوا بالنظام السابق لا غيرهم، وبالتالي فهم جديرون بالحلول محله.
وعليه فإن كثيرين من قادة الميليشيات ومقاتليها لا يرغبون في إلقاء السلاح، اقتناعا منهم أن لهم الأحقية وحدهم في حمله. وهذه مغالطة قادت البلد إلى الفوضى العارمة.
لكن التحليل المنطقي لما جرى في ليبيا يقول إن نظام القذافي ما كان ليقع لولا تدخل الـ«ناتو»، وهذه حقيقة ينبغي ألا يتجاهلها أحد لوضع الأمور في نصابها، ومن ثم للجم هذه الميليشيات وادعاءاتها، والتي يصل تعدادها إلى أكثر من 300 وحدة مدججة بالسلاح على اختلاف أنواعه. وبالأمس القريب رأينا هذا البذخ في التسليح عندما هوجم المؤتمر الوطني بصواريخ أرض ـ جو مضادة للطائرات!
أمر آخر جدير بالذكر، فمع أن الأمور بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، فإنه ما زال في مقدور الليبيين الالتقاء على خريطة طريق تضع حدا لهذا الرعب الذي تريد المجموعات المسلحة وأدعياء الإسلام سوق ليبيا إليه.
ومع هذا الاحتدام بين الحكومة والمؤتمر، فإن ثمة ميلا لتولي المجلس الأعلى للقضاء شؤون الدولة إلى حين إجراء انتخابات نزيهة. هذا ما طالب به الجيش الليبي الذي يقوده اللواء خليفة بلقاسم حفتر لإنقاذ البلد من العصابات المسلحة بكل أنواعها، وبات يلقى إسنادا في بعض العواصم العربية، وتأييدا من فئات من الشعب الليبي جسدتها مظاهرات في مدن ليبية. كذلك لقيت دعوته تجاوبا من شخصيات اعتبارية على رأسهم وزير الثقافة الليبي حبيب الأمين وأعضاء من المؤتمر الوطني، معلنين دعمهم للعملية العسكرية ضد الإرهابيين والمتطرفين الدينيين. كما شهدت الأيام القليلة الماضية عودة كثير من ضباط الجيش إلى ثكناتهم لدعم اللواء حفتر.
أمام الليبيين اليوم فرصة سانحة لتدارك وضع بلدهم الخطير هذا، وهم ما لم يفعلوا فإن المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية، لن تظل مكتوفة الأيدي أمام هذه الفوضى العارمة في هذا البلد الذي أصبح مأوى للإرهابيين والمتطرفين من كل الأصقاع.
8:37 دقيقه
TT
ليبيا.. طفح الكيل
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة