نادرا ما حازت سياسات الشرق الأوسط البريطانية تأييداً واسع النطاق خلال السنوات الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق بحرب العراق لعام 2003، ومما يضاف إلى ذلك الكارثة المحققة في ليبيا، والفشل الذريع في سوريا، والجمود المخزي في فلسطين، والمبررات لذلك أقوى مما يمكن إنكاره.
وحتى مع ذلك، وفيما يتعلق بالزعماء، والساسة، والدبلوماسيين البريطانيين وحلفائهم في الولايات المتحدة وفي أوروبا، فإن النتائج المتوصل إليها عبر استطلاع «يوغوف» للرأي بتكليف من جريدة «عرب نيوز» اليومية ومجلس التفاهم العربي البريطاني تستحق القراءة الواعية المتأنية.
ولعل النتيجة الصادمة في الاستطلاع المشار إليه هي عدد المعارضين الحاليين لحرب العراق لعام 2003 الذين بلغوا نسبة صادمة وصلت إلى 83 في المائة. تاريخياً، فإن هذه النسبة تحتل أعلى المراتب من حيث عدم الموافقة على شن هذه الحرب بالأساس. وعلى سبيل المثال، خلص مسح آخر لمؤسسة «يوغوف»، أجري قبل عشر سنوات، إلى نسبة 55 في المائة من معارضي شن هذه الحرب. وفي عام 2003 نفسه، كان متوسط النسبة المسجلة عبر استطلاع «يوغوف» قد بلغ 54 في المائة من تأييد هذه الحرب، التي كانت في حد ذاتها نسبة متدنية للغاية لأي رئيس للوزراء كي يصدر قراره بإرسال القوات العسكرية إلى الحرب.
مما يدل على أن آفاق المشاركة البريطانية في أي مساع عسكرية مستقبلية قد تكون أدنى مما كان معتقدا في السابق. وكان الدعم للعمليات الجارية ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا فاترا، إذ بلغت نسبته 53 في المائة فقط. وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت العام الحالي إلى عدم الرغبة الحقيقية للقيام بأي عمل عسكري ضد النظام السوري الحاكم، مما يؤيد الموقف الانعزالي الغالب على مشاعر المواطنين البريطانيين الذين قد يميلون إلى اتخاذ مواقف أكثر انعزالية تعزز من نتائج التصويت على استفتاء مغادرة بريطانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي العام الماضي.
ولعل أحد الأسباب التي دفعت الرأي العام البريطاني لاتخاذ مواقف أكثر انعزالية تُعزى إلى المشاعر الغالبة، أن الإجراءات البريطانية في الخارج لم تسفر عن نجاحات معتبرة، أو لن تسفر في المستقبل عن استراتيجيات واضحة ومجدية.
وهناك نسبة 13 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن بريطانيا قد لعبت دورا مرسخا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ونسبة تسترعي الانتباه بلغت 54 في المائة التي تعتقد بأن دور بلادهم في الشرق الأوسط كان سلبيا بدرجة كبيرة. ومما يدعو للاستغراب، أنه في حين تم تسجيل اختلافات كبيرة في كل فئة أخرى من فئات الاستطلاع بين أولئك الذين صوتوا لحزب المحافظين أو الذين صوتوا لحزب العمال، وبالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عدمه، فإن النتائج المستخلصة بما يتعلق بدور بريطانيا في الشرق الأوسط كانت شبه متطابقة بين كل هذه الفئات، مع وثبة طفيفة فيما يتعلق بأولئك الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما.
وعلى النقيض من هذا التقارب في الآراء بين المصوتين لاتجاهات سياسية مختلفة، تتباين وجهات نظر أولئك الذين استطلعت آراؤهم حول ما إذا كان السياسيون والمعلقون قد ساهموا في الارتفاع الكبير لمستوى جرائم الكراهية داخل المملكة المتحدة عند إطلاق تصريحات مناهضة للاجئين. فخلال السنوات الخمس الماضية، كانت الإشارات السلبية إلى التدفقات الكبيرة للاجئين من الأمور الروتينية، وفي واحدة من أكثر الحالات سوءا عقدت المقارنات بينهم وبين تدفق الحشرات الزاحفة. أظهر نتائج الاستطلاع أن نسبة 51 في المائة ممن صوتوا لصالح الخروج البريطاني، اعتقدوا أن هذا الأمر، أي أن تصريحات السياسيين المناهضة للاجئين والمعلقين قد ساهمت في ازدياد جرائم الكراهية هو صحيح غير أن النسبة ارتفعت إلى 87 في المائة بالنسبة لأولئك الذين صوتوا ضد الخروج البريطاني. وكانت النسبة الإجمالية هي 70 في المائة، وهي تشير إلى حد كبير إلى أن السياسيين عليهم بذل المزيد من الجهود الكبيرة لوقف نزع صفة الإنسانية عن اللاجئين في الإعلام.
وفي ضوء ما سبق، فإن النظرة العامة للاجئين ليست إيجابية. فهناك نسبة 28 في المائة فقط تعتبر أن اللاجئين من الدول العربية يساهمون بشكل إيجابي في بريطانيا. وتظهر الاختلافات الواضحة مرة أخرى. فهناك نسبة 13 في المائة فقط من الناخبين المحافظين يعتقدون ذلك.
ومما لا شك فيه أن الآراء حول اللاجئين تحتاج إلى التناول والمعالجة العاجلة. إذ إن سبعة من كل عشرة لا يرون أن بريطانيا ينبغي أن تستقبل المزيد من اللاجئين من سوريا والعراق. الأمر الذي يتناقض بشكل كبير مع دفعة الدعم والتأييد التي بلغت ذروتها قبل عامين في أعقاب الصورة المأساوية للطفل الصغير إيلان كردي الذي رمت الأمواج بجثته على الشاطئ التركي، عندما ادعى الجميع، من المشاهير وحتى الساسة، أنهم على استعداد لفتح أبواب منازلهم للاجئين.
ومن الواضح أن جزءا من هذه المسألة يتعلق بالمواقف المناهضة للاجئين والمرتبطة بارتفاع موجة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا). فهناك نسبة 72 في المائة ممن شملهم الاستطلاع ترى أنها من المسائل المهمة، في حين أن نسبة اثنين في المائة فحسب لا تتفق مع هذا الرأي. بيد أن الناس يعترفون على أدنى تقدير بأن هناك مشكلة ما، أو تحديا لا بد من مواجهته والتصدي له. ومن المثير للجدل رغم كل شيء هو مدى جدية هذه المشكلة في أذهان ومشاعر الناس.
وقد لا يقرأ الفلسطينيون الكثير من النتائج الإيجابية في استطلاع الرأي الأخير كذلك. فنسبة 53 في المائة فقط تعتقد أنه ينبغي على بريطانيا الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، مع نسبة 14 في المائة لا توافق على هذا الرأي. ورغم أنها نسبة غالبة، فإنه نظرا للقوة الجلية لقضايا حق تقرير المصير ونيل الاستقلال، قد يأمل الكثيرون في أن تكون النسبة أعلى من ذلك. وعلى نحو مماثل، كانت الآراء حول توصيف وعد بلفور مختلطة مع نسبة 32 في المائة تعتقد أنه إعلان يستحق الفخر، ونسبة 27 في المائة أعربت عن أسفها لهذا الإعلان. ولعل الأهم من ذلك أن نسبة 45 في المائة فقط من المواطنين تعتقد بتحمل بريطانيا للمسؤولية التاريخية عن تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي نسبة لا يستهان بها، ولكن هل هي كافية لدرجة تحفيز الحكومة البريطانية لبذل المزيد من الجهود؟ كلا، على أغلب تقدير.
ومن غير الواضح أين يكمن الحل لهذه المعضلة. والمفارقة هي أنه في حين أن نسبة 81 في المائة من الجمهور البريطاني يزعمون أنهم لا يعرفون إلا القليل أو لا شيء على الإطلاق عن العالم العربي، فإن هذا لا يحول بينهم وبين تبني وجهات نظر قاطعة ونهائية بشأن تلك المنطقة وشعوبها، والتحدي القائم هنا يدور حول إيجاد حالة من النقاش المستنير والموثوق الذي يسمح باتخاذ المزيد من القرارات السياسية البناءة التي يمكنها إلهام قدر أكبر من الثقة في السياسة الخارجية. والتعليم هو من المفاتيح الرئيسية في ذلك، لأنه عندما يُظهر استطلاع للرأي أن الكثير من الجمهور البريطاني يعرف القليل أو لا يعرف شيئا على الإطلاق عن العالم العربي، فإن السياسة دوما ما تعكس على نحو تقريبي هذه الحالة المزرية من الجهل المستشري.
*رئيس مجلس التفاهم
العربي - البريطاني/ لندن
* خاص بـ«الشرق الأوسط»