محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

مثلث أرسطو للإقناع

هناك من يستخدم «قوته» لدفع الآخرين نحو سلوك ما أو فكرة معينة، وهناك من يُؤثِر استخدام «النقاش» أو «الإقناع» على القوة لأنهما أوقع في التأثير.
الفيلسوف أرسطو يرى أن إقناع الآخرين شفاهة أو كتابة يتمثل في مثلث أضلاعه: الأخلاق (سمعة القائل وشخصيته) ethos، والعاطفة المستخدمة pathos، والمنطق logos. وأفضل رسائل التأثير تلك التي تجمع بين الثلاثة أضلاع بتوازن مدروس يتناسب مع متلقي الرسالة؛ وإن كان أرسطو نفسه لديه جرعة أكبر من المنطق في أطروحاته.
معاناتنا في العصر الحاضر، أننا أصبحنا نبحث عن من يخاطب عقولنا بالحكمة والمنطق، احتراماً لعقولنا، وبعيداً عن دغدغة العواطف. ولذلك فمن الغريب أن نرى جهات تدفع بأشخاص إلى الواجهة لا يتحلون بقبول اجتماعي ولا بالمنطق ثم تتوقع أن يؤثروا في الناس. في حين ترسل مؤسسات أخرى ممثلها المقبول من الطرف الآخر لتسهيل مهمة التأثير وتدَّخِر الأقل قبولاً اجتماعياً «لتحرقه» في قضية خاسرة أو وقتية مثل «بالون اختبار» تطلقه لجس نبض الناس في قضايا شائكة سرعان ما تثير حنقهم عليه!
ومهما كان المتحدث، لا بد أن يُراعى فيه مثلث أرسطو كتحليه بالمصداقية، وهذا يجب أن يكون واضحاً في عيون المتلقي وليس من يختار. فما فائدة أن يكون موصل الرسالة مقبولاً لدى مسؤوله فيما هو منبوذٌ من السواد الأعظم من الناس.
والأمر نفسه ينطبق على ضلع العاطفة لأنه كما قال أرسطو بأن «الإقناع قد يأتي من قبل السامعين حينما تحرك الخطبة مشاعرهم». وأرى أننا في منطقتنا العربية نموج في بحر من العاطفة وحان الوقت لشيء من جرعات المنطق والموضوعية بدلاً من العزف على أوتار العواطف.
ربما نختلف على نسبة استخدام أضلاع مثلث أرسطو للإقناع لكننا يجب ألا نختلف على أن استخدام «القوة» بصورها كالتهديد والوعيد هو أسوأ خيار لأنها تراكم مشاعر الكراهية والعناد والرفض لأن صاحب القوة لم يشرك من حوله بقراره. فمهما حاول تلميع قراره بالإعلام تارة أو بحفلات التطبيل تارة أخرى فسيبقى توجهه غير مرغوب فيه. وهذا ما يفسر كيف تتهلل أسارير الموظفين حينما يسقط ذلك القائد عن صهوة جواده. وقد يتصيد عليه البعض زلاته لأنه يمارس نوعاً من أنواع الاستبداد أو الانفراد بالقرار الذي لم يعد ينفع في القرن الحادي والعشرين.
[email protected]