فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

بقايا نظام الأسد... النماذج الأسوأ

استمع إلى المقالة

كانت الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد مناسبةً لصعود الحديث عن بقايا نظام الأسد ممّن لعبوا أدواراً إجرامية في النظام السابق، وجرى نشر أخبار وتقارير وتحقيقات حول بعض الشخصيات، ولا سيما المقربة من رأس النظام بشار الأسد، وزاد من حجم المنشورات وأهميتها ترديد اسم بشار ومستشارته الإعلامية لونا الشبل، التي قُتلت في ظروف غامضة عام 2024، وقد نشرت لهما تسجيلات مصورة، بينها جولة في غوطة دمشق التي دمرتها قوات الأسد، وارتكبت فيها أول مجزرة بالأسلحة الكيماوية في عام 2013.

الحديث عن بقايا النظام مسار طبيعي في حياة السوريين، نظراً لما ارتكبوه من جرائم وما نفّذوه من سياسات إجرامية، خصوصاً في سنوات الثورة ما بين 2011 و2024، من قتل واعتقال وتهجير وتدمير ممتلكات ونهب وابتزاز واستيلاء على مال وأملاك السوريين.

ورغم أن الحديث عن بقايا نظام الأسد يُقصد به كبار ضباط الجيش وأجهزة المخابرات، فإنه ينطبق على مسؤولين آخرين في إدارة النظام من المدنيين، سواء في الحكومة ومؤسساتها ووسط قيادات الحزب الحاكم أو المرتبطين بهم الذين برهن بعضهم أنهم لا يقلون إجراماً عن ضباط الجيش والمخابرات بما لعبوه من أدوار مباشرة في قتل السوريين وتدمير البلد، من خلال تنظيمات الشبيحة والدفاع الوطني واللجان الشعبية التي شاركت مؤسسات النظام العسكرية والمخابراتية الغرق في الخراب.

لقد عصفت عملية ردع العدوان في طريقها من إدلب إلى دمشق في ديسمبر (كانون الأول) 2024 بواقع النظام، فأوقعت قياداته في الفوضى وأشاعت في صفوفهم الخوف، فتشتتت القيادات بصورة عشوائية بالاستناد إلى ظروفها ووفق ما أحاط بها من معطيات، وباستثناء قلة من تلك القيادات، فإن أغلبهم وجدوا أنفسهم أسرى البقاء في سوريا في الأشهر الأولى لسقوط النظام، وكان الأساس في بقائهم مراهنة بعضهم على استعادة السلطة أو إعادة تنظيم أنفسهم بصورة تجعلهم قوة في الخريطة السورية، خصوصاً أنهم يملكون قدرات كبيرة من مال ومعلومات وعلاقات وسلاح مخبأ، يمكن أن تساعدهم، وبعضهم لجأ إلى التخفي خوفاً من الاعتقال، أو رغبة في الحصول على وقت لخروج آمن إلى دول الجوار أو عبرها، ولجأ بعضهم إلى مناطق توفر لهم ولو حدوداً دنيا من الحماية.

ووسط الانتشار الواسع لبقايا النظام الساقط في سوريا، فإن مصائرهم تنوعت؛ حيث أجرى بعضهم تسويات صورتها غير مكتملة الوضوح على نحو ما حصل مع طلال مخلوف، القائد السابق للحرس الجمهوري، وفادي صقر أحد أبرز مسؤولي الدفاع الوطني، وبعض رجال المال والأعمال، وبعضهم تم اعتقاله، وتمت إحالة بعضهم للمحاكمة، لكن لم يُحدد وقت لبدايتها، وثمة كثيرون قيد الملاحقة، ولا حاجة لتأكيد أن بعضاً من بقايا النظام جرى اعتقالهم وقتل بعضهم خارج القانون لأسباب ثأرية في الغالب.

القسم الأكبر، وفق التقديرات الشائعة عن توزع بقايا النظام في الخارج، توجه إلى روسيا بما لها من مكانة، وبما حملته من مسؤولية في حماية النظام، وقد وفرت مسارات وصول آمن لمئات من قيادات النظام العسكرية والمخابراتية؛ حيث سافر القسم الرئيسي يتقدمهم بشار الأسد وعائلته والطاقم المحيط به مباشرة إلى روسيا، وسافر آخرون ممن احتموا بالسفارة الروسية بدمشق أو لجأوا إلى قاعدة «حميميم» الروسية قرب اللاذقية على دفعات لاحقاً، ووصل آخرون من قادة النظام إلى روسيا عبر رحلات غير مباشرة من بلدان الجوار.

وحسب التقديرات الشائعة، فإن عشرات الآلاف من بقايا نظام الأسد توجهوا إلى لبنان في الأسابيع الأولى التي أعقبت سقوط النظام، وكان من بين الأسباب قرب لبنان وسهولة المعابر إليه وكثرتها، ووجود بنى سياسية واجتماعية وطائفية مساعدة، وهناك المختبئون، لم يتم كشف وجودهم في لبنان.

لقد كشف انهيار نظام الأسد وحشية نخبته، ولا سيما العسكرية - المخابراتية، التي احتمت بالسلاح والقوة، ومارست أبشع الجرائم ضد السوريين، ليس عقاباً على مطالبهم بالحرية والعدالة والمساواة والمشاركة فحسب، بل أيضاً انتقاماً ممن رفضوا سياسة إذلال وتدجين وإخضاع، استمرت أكثر من خمسة عقود، منها نحو عقد ونصف العقد في المذبحة.

كما كشف النخبة في أنانيتها وجشعها، إذ ركّزت في لحظاتها الحرجة على النجاة الشخصية والأسرية، وعملت إلى أقصى الحدود، رغم ضيق الوقت، على حمل ما لديها من أموال، بل اختارت، حيث أمكن، الذهاب إلى أماكن لها فيها أموال وممتلكات، كانت نهبتها من السوريين.

لقد اكتشف السوريون والعالم كله، بالوقائع والمعطيات بما فيها الاعترافات، حقيقة نخبة النظام الذي حكم سوريا لأكثر من خمسة عقود، مقنعاً بشعارات وادعاءات هي أبعد ما تكون عنه، مؤكداً حقيقته الثابتة؛ أنه نظام مستبد وفاسد وقاتل، وأن نخبته تعيش وتدور وسط تلك الحقيقة، وتُعيد إنتاجها، ليس إلا.