ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT
20

الفرق بين المسلمين والمتأسلمين

استمع إلى المقالة

كثيراً ما يحدث خلط بين المسلم والمتأسلم. الفروق تحتاج إلى توضيح لأن من يدفع الثمن هم الغالبية العظمى من المسلمين المسالمين حول العالم وليس القلة من المتأسلمين المتطرفين.

ما هي هذه الفروق؟

المسلمون هم الذين يمارسون دينهم من أجل التقرب إلى الله ويرون فيه وسيلة للروحانية والاتزان النفسي. المتأسلمون يرون في الدين وسيلة للتقرب من السلطة ويرون في الدين سلماً للوصول إلى الكرسي. المسلمون يرون في الدين وسيلة للارتقاء الروحي والمتأسلمون يرون في الدين وسيلة للارتقاء السياسي.

المسلمون يرون في الدين قيماً ومبادئ أخلاقية تطور من شخصياتهم، والمتأسلمون يرون في الدين مبرراً لسوء سلوكهم والهجوم والتحريض على شخصيات ودول لا تتفق معهم.

المسلمون يرون في الدين معاني للتسامح والتعايش خصوصاً في عالمنا هذا المختلط والمتنوع، وهذا ما نراه في المسلمين الذين يعيشون بالملايين في أوروبا وأميركا، والمتأسلمون يستخدمونه لبث الفرقة والفتنة والكراهية ويكفي أن تطوف بسرعة على حساباتهم لترى كمّ الأحقاد التي يضمرونها.

المسلمون يريدون الحياة والمتأسلمون يريدون الموت (غالباً ليس لهم أو لأولادهم، ولكن للمسلمين الآخرين). المظاهرات في غزة الآن المطالبة بنهاية الحرب والعودة لحياتهم بعد ما يقارب من عام ونصف العام من فظائع القتل الإسرائيلية الرهيبة، ولكنّ المتأسلمين يصفون أهل غزة المسلمين المسالمين بالخونة ويدعونهم للقتال بلحم ودماء أطفالهم!

المسلمون ينظرون إلى المستقبل والمتأسلمون ينظرون إلى الماضي. المسلمون يريدون أن يبنوا أوطانهم والمتأسلمون يريدون هدمها. انظر مثلاً كيف مزق «حزب الله» التنظيم المتأسلم لبنان، على الرغم أن غالبية المسلمين فيه من سنة وشيعة يسعون لبنائه إلى جانب أبناء بلدهم من طوائف أخرى (لنتذكر كيف قتل الكاتب الشجاع لقمان سليم لأنه طالب بعودة الدولة اللبنانية وخروجها من قبضة الحزب).

المسلمون يتعاملون مع الدين بصفته قيمة عليا بحد ذاتها والمتأسلمون يرون في الدين حزباً وآيديولوجية ومؤسسة مغلقة. وهكذا نرى في جماعة «الإخوان المسلمين» الذين حولوا الدين إلى جماعتهم الخاصة وساعدتهم على ذلك عقود حكومات زايدت عليهم وتحالفت معهم إما جبناً وإما انتهازية. المسلمون مؤمنون بفكرة الدولة والمتأسلمون بفكرة الميليشيا. المسلمون يريدون أن يعيشوا بسلام في ظل دول متحضرة تندمج في الاقتصاد العالمي؛ ولهذا يسعون للهجرة ويخاطرون بحياتهم، والمتأسلمون يريدون أن يعيشوا في صراعات وحروب مستمرة تحت شعارات المقاومة والصمود. المسلمون يصدّرون العلماء والمبدعين مثل أحمد زويل وزها حديد والمتأسلمون يصدّرون الإرهابيين مثل البغدادي وسليماني. المسلمون يرون في القرآن الرحمة والمودة والمتأسلمون يرون فيه العنف والدم.

من المهم التفريق بين المسلم والمتأسلم لأنه خلال العقود الأخيرة اختطف المتأسلمون، بكل أسف، صورة الإسلام وشوّهوها من خلال العمليات الإرهابية أو الدعاوى التحريضية أو الجماعات والتنظيمات المتطرفة من «القاعدة» إلى «حزب الله» إلى «داعش» و«الإخوان». ومن الصحيح أن هناك جماعات وتيارات متطرفة تكره الإسلام ديناً، ولكنها استغلت ما فعلته هذه الجماعات لكسب الأنصار، وهذا ما نراه في أوروبا بشكل مستمر، حيث يزيدون من الكراهية عبر استخدام ما يقوله المتأسلمون. وهذه لعبة معروفة، حيث يستفيد المتطرفون من كل دين من بعضهم لزيادة الانقسام والعزلة، والشيء ذاته الذي نراه بين متطرفي السنّة والشيعة عندنا يقتات كل طرف منهم على الآخر.

التفريق مهم أيضاً لأن بعض المسلمين يعتقدون أن المسلم الجيد والصالح هو المتأسلم الجيد والصالح، وهذا على العكس تماماً. هناك فرق كبير، المسلم فرد متصل مع الله والمتأسلم متصل مع المرشد. وذلك يعود إلى سيطرة المتأسلمين على التعليم والثقافة فترات طويلة وخلقوا هذا الانطباع الخاطئ. فرق كبير بين الإسلام بكونه ديناً عظيماً يدعو للنجاح الفردي والجماعي والحياة والحرية الشخصية والعلم والتطور والتسامح والسعادة (وهكذا الحال في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية، وما نراه خليجياً مشابهاً له) والتأسلم الذي يدعو إلى الموت وتمجيد ثقافته، والعزلة والكراهية والانقسام والفشل.