د. سعاد كريم
باحثة لبنانية
TT
20

الصيام في العالم العربي

استمع إلى المقالة

حلّ الصيام الإسلامي والصيام المسيحي في ظروف مأساوية منتشرة حول العالم وفي العالم العربي، بخاصة في جنوب لبنان، وغزة والضفة الغربية اللتين تختبران رمضاناً آخر بعد العدوان عليهما في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في وقتٍ مئات الآلاف منهم بلا عمل وموظفون يتقاضون رواتب منقوصة، فيما شمال الضفة يخضع لنيران وجرافات العدو الإسرائيلي. يعجز اللسان عن التعبير عنهم بسبب فظاعة ووحشية المشهد؛ صائمون لبنانيون وغزاويون بلا مأوى ولا مسكن ولا طعام ولا شراب ولا أمان ولا استقرار.

رمضان المبارك هو شهر فضيل يشعر فيه الصائم وغير الصائم بالورع والتقوى. فالصوم من العبادات العظيمة التي تعود بالنفع على المسلم في الدنيا والآخرة، كما أن الصيام فعلٌ عظيمٌ يساعد المسلم على التقشف والشعور بالمحتاجين والفقراء ويزيد روح التآخي والإحساس بالغير والقيام بأعمال الخير من زكاة وتبرّعات خيرية وغيرها.

ولكن في شهر رمضان يشعر العديد من الأسر بضغط مالي متزايد بسبب العادات الاجتماعية التي تتطلب دعوة الأهل والأصدقاء لتناول الإفطار في المنازل أو المطاعم والفنادق وتستلزم نفقات إضافية إلى حدّ الإسراف تنتهي بهدايا العيد، مع عدم تخطيط للتحكّم بالنفقات ما يسبب خللاً في ضبط الميزانية، خصوصاً أن أسعار السلع والحاجات الاستهلاكية ترتفع تلقائياً وبشكل جنوني أحياناً بناء على العرض والطلب في الأسواق والمتاجر الكبرى، أضف إلى ذلك التضخّم الذي يحلّ ضيفاً ثقيلاً على موائد الصائمين. ولكن السؤال: هل هذا التسوّق ضرورة وحاجة حقيقية أم مجرد رغبة من الصائم للتبضّع؟ أم بات حاجة للتباهي والتنافس في إعداد الولائم بين العائلات والأصدقاء التي ينتهي بعض منها أو معظمها في أكياس وصناديق القمامة ويتسبب في هدر متوقع؟

عادةً، يزدهر النشاط الاقتصادي في شهر رمضان ويحلّق القطاع التجاري في الأسواق وترتفع الأسعار ويكتظ الزبائن والزائرين في المطاعم والفنادق والمقاهي وتنشط حركة الطيران من بلد إلى بلد مع الزائرين القادمين من أهل البلد أو من أجانب من الخارج بخاصة في فترة الأعياد، وغيرها من القطاعات التي تساهم وتزيد من إيرادات أرباح المتاجر والتجار والشركات المرتبطة بهذه القطاعات. لكن بالرغم من ذلك، فإن الدوام الطويل والأجور الإضافية لساعات العمل الإضافي وزيادة فترات الإضاءة واستعمال المكيفات خلال فترات الإفطار والسحور وغيرها من الأعباء الإضافية تشكل عاملاً مهماً في ارتفاع التكاليف التشغيلية.

ومن ناحية أخرى، قد ترى بعض القطاعات الاقتصادية انخفاضاً في النشاط خلال شهر رمضان، بخاصة في الأعمال التجارية ذات الطابع العام والمكاتب والشركات، وذلك بسبب تغيّر جدول العمل وقلّة الإنتاج.

وفي هذا السياق، فإن الاقتصاد يشهد نمواً لافتاً خلال شهر رمضان، وعادة ما يتغيّر هذا النمو بناء على عوامل متعددة تتضمن العادات الاستهلاكية للمجتمع؛ على سبيل المثال لا الحصر، تغيّر في دوام ساعات العمل وزيادة النشاط الديني والاجتماعي خلال هذا الشهر. لكن النمو الاقتصادي في هذا الشهر قد يختلف من بلد إلى آخر ومن قطاع اقتصادي إلى آخر.

كما تشير الإحصاءات إلى أن الاستهلاك في شهر الصوم يرتفع بنسبة تتراوح بين 10 و40 في المائة عنه على مدار السنة. وبنظرة فاحصة إلى دول جنوب وشرق آسيا، نجد أن نسبة الادّخار في تلك الدول تصل إلى أربعين في المائة والاستهلاك إلى ستين في المائة، وينطبق ذلك على مختلف الطبقات من أغنياء وفقراء على حدّ سواء، بينما في بلادنا لم تتعدّ هذه النسبة 15 في المائة لأننا أمة مستهلكة أكثر منها منتجة ولم نصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وإنتاج احتياجاتنا الاستهلاكية بدلاً من اعتمادنا على الخارج.

يقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف، في مقابلة مع «الخليج أونلاين»، إن الحركة التجارية الجيدة تنعكس بصورة إيجابية على البورصات العربية والإسلامية، وكثيراً ما ترتفع عائدات الأسهم خلال شهر رمضان وتكون أقل تقلباً وأكثر استقراراً. كذلك يشير إلى أنه قبل سنوات عدة أعدّت جامعة «ليستر» البريطانية دراسة رصدت خلالها أسواق الأسهم في 14 دولة إسلامية؛ من بينها الكويت ومصر وإندونيسيا وقطر، على مدار 18 عاماً واكتشفت أن متوسط عائدات سوق الأسهم في هذه البلدان ارتفع بمقدار 9 أضعاف خلال شهر رمضان، وكان أقلّ تقلباً مقارنة ببقية أوقات السنة، وأضاف أن الدول العربية من أكثر الدول إهداراً للغذاء على مستوى العالم، ما يعني أن مليارات الدولارات العربية والإسلامية تذهب هدراً.