د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT
20

«لا تَدَعِ الدِّيَكَةَ تُحبطك»!

استمع إلى المقالة

سنَّ الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان سُنَّةً حسنة بكتابة رسالة خطية إلى خليفته الرئيس جورج بوش (الأب)، قال فيها: «أتمنى لك التوفيق، سأتذكرك في صلواتي... سأفتقد وجبات غدائنا أيام الخميس... إلخ»، ثم رسم ريغان (الممثل الكوميدي السابق) شعار الحزب الجمهوري (الفيل) وقد تكالبت عليه الديوك، ثم كتب ساخراً: «لا تَدَعِ الدِّيَكَة تُحبِطك». وأظهر الرسم الدِّيَكَة وهي تتسلق ظهر الفيل.

عادةً لا يحب القياديون النصائح، وتحديداً الخصوم السياسيين الذين يتحسسون منها، غير أن حسَّ الدُّعابة الذي أجاده ريغان قد فتح شهية الرؤساء لتوجيه رسائل تأييد ودعم... وأخرى «مبطنة».

فقال الرئيس بيل كلينتون لبوش الابن ما معناه: «أنت تقود شعباً فخوراً وصالحاً، ومن اليوم أنت رئيسنا جميعاً»، في حين قال الرئيس جو بايدن للرئيس دونالد ترمب: «أدعو الله أن تكون السنوات المقبلة فترة ازدهار وسلام لأمتنا». وانشغل الإعلام الأميركي بفحوى رسالة ترمب لبايدن التي ظلت حيثياتها طيَّ الكتمان، لكنَّ بايدن قال إنها كانت «ودِّية وملهمة للغاية، وسأحتفظ بها لخصوصيتها».

في التواصل هناك «التصريح» بالرسائل من دون «لفٍّ ولا دوران» وهي ضرورية لتثبت الدعم المعنوي بكل وضوح. وهناك التواصل بـ«التلميح»، وهو فن يُجيده الحكماء ويُحسِن صياغته المثقفون بأبلغ العبارات المؤثرة. ويلجأ البعض إلى «الاعتراف بالخطأ» بوصف ذلك مدخلاً للتواصل، لتقبل ما سيأتي بعده. مثلما تأسف بوش الابن ذات يوم على اجتياح قواته للعراق عام 2003 الذي بُني على معلومات خاطئة بوجود أسلحة نووية. عادةً ما يتقبل الناس من يعترف بالخطأ وما سيعقبه من رسائل.

التواصل فنٌّ رفيع يمكن تعلُّمه. وهو كذلك مملوء بالمحاذير؛ لأن خطأ بسيطاً في التعبير قد يُشعِل الرأي العام أو يولِّد خصومة نحن في غنى عنها. مثلما انتقدت رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس إنتاجية شعبها (رغم أنها لم تُمضِ سوى 45 يوماً في رئاستها) بقولها إن «هناك مشكلة أساسية في العلاقة بالعمل في المملكة المتحدة، وإذا أردنا أن نصبح بلداً أكثر ثراءً وازدهاراً، فإنه يجب أن يتغير ذلك. لكنني لا أعتقد أن الناس مستعدون لفعل ذلك»، فقوبلت بهجوم كبير.

كما أن بعض الرسائل الرقيقة قد تسدل الستار على حقبة صاخبة من الخصومة وفتح صفحة تعاون جديدة، مثلما قال بوش الابن للرئيس أوباما: «تهانينا على توليك منصبك رئيساً لنا، لقد بدأت للتوِّ فصلاً رائعاً في حياتك... سيغضبك النقاد، وسيحبطك أصدقاؤك، ولكن بغضِّ النظر عمَّا سيأتي، سيُلهمك الأشخاص الذين تقودهم الآن». ثم عرض مساعدته في أي وقت يحتاج إليه.

الناس بطبيعتهم لا يتقبلون النصائح التي فيها نبرة تعالٍ أو تلك المغلَّفة بالنقد والتوبيخ. ولذلك فإن أصدق النصائح هي التي يسديها أصحابها على انفراد، بعيداً عن عدسات الكاميرا وأعين الناس.

كما أن أرقى أشكال التواصل القيادي هو «التلميح» لأنه يحمل في طياته رسائل ضمنية عميقة تفتح باب التأمل، وحرية التفسير والتفاعل، مثل: «لا تَدَعِ الدِّيَكَةَ تُحبطك»!