الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصل مع إيران إلى لحظة الحقيقة، أو كما قال هو لمحطة «فوكس» الأميركية، وصل إلى اللحظة الأخيرة مع إيران، مؤكداً أنه لن يسمح لها بحيازة سلاح نووي، ومحذراً: «شيء ما سيحدث قريباً». الذي حدث أنه كشف عن إرسال رسالة إلى المرشد الروحي الإيراني آية الله خامنئي يعطيه فيها مهلة شهرين للتوصل إلى صفقة حول برنامج إيران النووي، حسب موقع «أكسيوس» الإخباري، أو مواجهة عمل عسكري. ومع أنه من غير الواضح ما إذا كانت مهلة الشهرين تبدأ من يوم إرسال الرسالة أو من تاريخ بدء المفاوضات النووية، قال الموقع إنه إذا رفضت إيران العرض والتفاوض فإن «حظوظ عمل عسكري أميركي أو إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية ستزداد بشكل كبير».
الرئيس ترمب لا يريد التورط في حرب في الشرق الأوسط، وهو كرر أكثر من مرة منذ كشفه عن الرسالة أنه يفضل الصفقة السلمية، وهو أوضح في مقابلة أنه يمكن أن تتعامل إيران مع الرسالة بطريقتين: «إما عسكرياً أو عبر صفقة. إني أفضل الصفقة؛ لأني لا أريد أن أوذي إيران. إنهم شعب عظيم».
وللدلالة على الجدية في الإنذار الذي وجّهه إلى إيران، برزت خطوتان تشيران إلى العمل الأميركي - الإسرائيلي على البدء بتنفيذ أجندتهم تجاه إيران: الأولى كانت التقارير التي كشفت عن اجتماعات ستُعقد الأسبوع المقبل مع وفد إسرائيلي رفيع سيزور واشنطن لبحث برنامج إيران النووي في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين الأميركيين. والثانية هي إعلان وزارتَي المالية والخارجية الأميركيتين عن عقوبات جديدة فرضتهما على شركتين صينيتين تقومان بشراء وتكرير وتخزين النفط الخام الإيراني، بما فيه نفط من حاملات نفط تعود لأنصار الله الحوثيين. وفرضت وزارة المالية عقوبات على 12 هيئة، وشخص واحد، وصفتها بأنها جزء من «أسطول الظل» من حاملات النفط الإيراني التي تزود الشركة الصينية «إبريق الشاي» أو «تي بوت» التي جرى فرض العقوبات عليها.
وأكدت واشنطن أن هذه العقوبات هي في إطار حملة الضغوط القصوى التي يجري تطبيقها على إيران خطوةً خطوة. فكيف ستتعامل إيران مع هذه الحملة الأميركية؟ وهل تتجاوب مع ترمب فتبدأ بالتفاوض معه؟
رد المرشد الروحي لم يكن إيجابياً، ووصف الرسالة بالخدعة من قبل أميركا لكي تفرض عقوبات وتزيد الضغط على إيران. ولكن كما العادة كانت هناك ردود إيرانية أخرى تُظهر أن إيران تعرف أنها لا تستطيع رفض الطلب الأميركي للتفاوض، وخصوصاً أن هناك تقارير سُربت في الصحف تُظهر أن دول الـ«إي 3» الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) أعطت إيران أيضاً مهلة حتى يونيو (حزيران) للتوصل إلى صفقة، وإلا فستواجه عقوبات دولية، وربما ضربات عسكرية إسرائيلية، حسب صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية التي تساءلت كيف يمكن أن يكون هناك موعدان مختلفان؛ واحد أميركي وضعه الرئيس ترمب وآخر أوروبي؟ وأي موعد ستختار إيران للالتزام بمهلته؟
بصرف النظر عن أي إنذار وأي مهلة تقرر إيران الالتزام بها، فإن أمامها قراراً عليها اتخاذه. ولننظر ما هي خيارات طهران:
خيار التفاوض: لقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها سترد على رسالة الرئيس ترمب بعد دراستها بتمعن. ونُقل عن المرشد الروحي امتعاضه من المطالب والضغط المفرط في رسالة ترمب. لكن بعثة إيران في الأمم المتحدة في بيان على منصة «إكس» لم تستبعد التفاوض بين إيران وواشنطن حول البرنامج النووي. وقالت حسب تقرير «أكسيوس»: «إذا كان الهدف من المفاوضات هو معالجة المخاوف بشأن احتمال عسكرة برنامج إيران النووي، فإنه يمكن أخذ هكذا محادثات بعين الاعتبار». لكن أضافت بعثة إيران: «وإذا كان الهدف من المفاوضات هو تفكيك البرنامج النووي الإيراني السلمي للادعاء أن ما فشل أوباما في تحقيقه جرى إنجازه الآن، فإن هكذا مفاوضات لن تتم».
هذا الكلام يبدو رداً على تصريح لمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي مايك وولتز يوم الأحد الماضي يطالب فيه إيران بـ«تسليم والتخلي عن كل عناصر برنامجها النووي، بما فيه الصواريخ والتسليح وتشبيع اليورانيوم». إن هذا التصريح الأميركي يعني أن إيران مدعوة للتفاوض حول التخلص من برنامجها النووي، وأنه لن يُترك لها مجال لبرنامج نووي سلمي إذا كان هذا هو الموقف الأميركي في المفاوضات. فهل تقبل إيران التفاوض على نزع الورقة النووية من يدها؟ وهل تدخل المفاوضات دون الاتفاق مسبقاً على ماذا سيتم التفاوض حوله؟
خيار المواجهة: التقييم هنا أن إيران ضعفت وخسرت أوراقها في المنطقة، وأن هذا أفضل وقت مناسب لإنهاء برنامجها النووي ودعمها للإرهاب. الواقع أن إيران لم تعد تملك كلياً أياً من الأوراق التي كانت منذ سنة فقط تملكها في المنطقة. حليفها في دمشق سقط، وسوريا اليوم في مقلب آخر مُعادٍ لإيران، وقطعت على إيران خط الإمدادات الذي كانت تستخدمه لتزويد حليفها في لبنان؛ «حزب الله»، بالسلاح والمال.
«حزب الله» بدوره ضعف كثيراً جراء الضربة التي وجّهتها إسرائيل له، ولا يستطيع اليوم مساعدة طهران في الوقوف في وجه أميركا في المنطقة. حلفاء إيران، الحوثي في اليمن و«حماس» في غزة، يصارعان للبقاء. أما حلفاؤها في العراق، فواشنطن تنتظر أن يرتكبوا خطأ ضدها، ومن المستبعد أن يُسمح لهم بضرب أمن العراق. وتهديد ترمب لها بأن أي هجوم من الحوثيين سيعتبره هجوماً من إيران، يجعل الحلفاء عبئاً عليها.
هذا يترك أمام إيران خياراً وحيداً هو التفاوض.
خيار شراء الوقت: استراتيجية إيران السابقة في شراء الوقت، وانتظار تغيّر الأوضاع في واشنطن، أو ما كانوا يسمونه بـ«الصبر الاستراتيجي»، لا تنفع لا استراتيجياً ولا حتى تكتيكياً مع ترمب؛ فالرئيس الأميركي لا يريد مفاوضات مفتوحة، وهو وضع مهلة محددة بشهرين، وأرفقها بتهديد.
الرئيس ترمب لا يريد حرباً، وهو قال إنه يريد أن يكون صانع سلام. فهل ستساهم إيران في تحقيق أمنيته وتقبل «الفرصة» في عرضه، أو تختار التهديد وتقابله بالمثل؟ لقد وضع ترمب الكرة في ملعب المرشد.