مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

هم يحيون بالتطرف... لا يستخدمونه فقط

استمع إلى المقالة

هناك وهمٌ ضارٌّ في بعض السياسات التي تُدار بها الأمور مع الدول أو القوى الخارجية أو الداخلية، ذات الشوكة والقدرة على الإخافة، الوهم هو: تقديس الدبلوماسية والحوار، للأبد، وفي كل الأحوال، فتصبح الدبلوماسية والحوارات، والمفاوضات والزيارات والذهاب والمجيء، والأخذ والردّ... وديمومة الحكي؛ هي بحدّ ذاتها نصرٌ وإنجاز!

أبرز مثالٍ على سوء هذا النهج، القضية الفلسطينية المعضلة، التي صار مجرد وجود مفاوضات حولها، وحوارات واجتماعات، مطلباً قائماً بنفسه، جوهراً فرْداً كما يقول أهل علم الكلام قديماً.

من الأمثلة الشاخصة على سوء هذا النهج، ونتائجه القاتلة، لكن بالتدريج، نهج التعامل الأميركي ومن خلفه الغربي، مع النظام الإيراني الثوري، منذ «ليونة» الرئيس الأميركي الراحل هذه الأيام، جيمي كارتر، مع أزمة الرهائن الأميركان في الأيام الأولى من وصول الخلايا الثورية لحكم إيران، بعد تواطؤ أو تخاذل أميركا «الكارترية» والسماح بسقوط نظام الشاه، بل المساعدة على ذلك. الحقيقة المرّة، لكن المُوجزة للوقت والعناء، هي أن الأنظمة الأصولية لا يمكن إصلاحها.

حول هذه المعاني، يورد الأستاذ والكاتب الإيراني الكبير، أمير طاهري، في مقالته بهذه الجريدة، تحت عنوان إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة؛ إذ يقول: «من الخطأ الواضح الافتراض أن مشكلات البلاد يمكن حلها عبر المحادثات أو حتى العلاقات مع الولايات المتحدة. إن أميركا تعاني من مشكلات جوهرية تتعلق بطبيعة نظامنا ذاته».

يسأل المرشدُ هذه الأسئلة الفصيحة: «هل ستنتهي مشكلاتنا مع أميركا إذا تراجعنا عن المسألة النووية؟ كلا يا سيدي! سوف يثيرون مسألة صواريخنا. لماذا تحتاجون إلى صواريخ كثيرة للغاية؟ وماذا تقصدون أن تفعلوا بها؟ ثم سوف يثيرون قضية محور المقاومة الذي خلقناه (في جميع أنحاء المنطقة). وإذا حللنا تلك المشكلات وتراجعنا فإنهم سوف يثيرون مسألة حقوق الإنسان. ولكن حتى لو تراجعتم عن ذلك، فسوف يطالبون بفصل الدين عن الدولة. بعبارة أخرى، يريدون لنا أن نصير دولة عادية، أمر لا يمكن أن يكون عليه النظام الذي أنشأه الإمام الخميني أبداً».

المُبتغى استخلاصه يا سادة يا كرام، هو عدم مخادعة الذات وتعمية البصر وتغشية البصيرة، المشكلة ليست لديك، فأنت حسنُ النية صادقُ العزم على السلام والوئام، المشكلة في خلايا العقل لدى الطرف الآخر، خلايا إذا أماتها... مات هو معها!

كل ما سبق لا يعني إعلان الحروب الخالدة على هذا الصنف من الجماعات والأنظمة، القدامى منهم والوافدين الجدد، السنة والشيعة، بل يعني وضوح الصورة لنا، والتعامل مع الواقع كما هو، ومحاولة «اقتناص» لحظات صالحة منه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.