هنا؛ يتخذ العلم موقفاً واضحاً... الناس تقدم أفضل أداء لديها في العمل عندما تكون البيئة المحيطة بهم من الممكن التنبؤ بها، وعندما يكون لديهم شعور بالسيطرة على البيئة المحيطة بهم مباشرة، وعندما يكونون جزءاً من مجموعة ثابتة من العلاقات، وعندما يشعرون بالارتباط تجاه مكان معين، وعندما تكون جدوى جهودهم واضحة مباشرة لهم. وبذلك نجد أنه عبر منظور هذا البحث، فإن التغيير المستمر يبدو عدواً للأداء، وليس محفزاً له.
ومع ذلك، ليس هذا الأسلوب الذي نفكر من خلاله في التغيير عادة. في الواقع، لقد تولدت بداخلنا قناعة بأن التغيير أمر جيد «بالضرورة»، وأن تغيير الوضع القائم يشكل «بالضرورة» السبيل نحو مستقبل أفضل، وأن الناس بطبيعتهم يقاومون أحدث الاستراتيجيات أو الهياكل، وأن المقاومة هذه بطبيعتها إخفاق يجب التغلب عليه، وليست مؤشراً على ما يحتاج إليه البشر في عملهم. وعليه؛ عندما نفكر في التغيير في العمل اليوم، فإننا نميل إلى افتراض أن هذا التغيير أمر حتمي، ونركز على كيفية إدارته؛ بمعنى أي الأساليب والعمليات والتكنولوجيا والاتصالات نحتاج إليها للمضي قدماً مع هذا التغيير بسلاسة أكبر.
بطبيعة الحال، بعض التغيير ضروري، والبعض الآخر حتمي؛ لكن ليس كله. وتوحي الأدبيات العلمية المعنية بالقدرة على التنبؤ والانتماء والمكان والمعنى، بأنه قبل التفكير في إدارة التغيير، ينبغي لنا أولاً النظر في الظروف التي يحتاج إليها الناس في العمل كي يصبحوا منتجين.
وينبغي أن نبدي تلهفاً أقل إزاء استثارة التغيير داخل مؤسساتنا، ونبدي حذراً أكبر تجاه التغيير عندما تفرضه علينا عوامل خارجية. وينبغي لنا كذلك إعادة التأكيد على «قيمة الاستقرار»، مع تعزيز إدراكنا ما يطلق عليها «إدارة الاستقرار». على النقيض من «إدارة التغيير»، الذي عادة ما يأتي دوره فقط عندما يكون هناك تغيير معين مطروح، فإن «إدارة الاستقرار» ـ ولأنه يتناول الاحتياجات النفسية الجوهرية للإنسان التي لا يمكن إظهارها أو إخفاؤها وفق الطلب ـ يتعين أن تكون مستمرة، وجزءاً رئيسياً من نظام مؤسسي دائم. ويعدّ هذا سبيلاً لإدارة البيئة، وليس سبيلاً لاجتياز لحظة ما.
من جهتها، تهتم إدارة الاستقرار بما هو ناجح وفاعل في يوم ما، بينما تبدأ إدارة التغيير بما لا ينجح ولا يبدو فاعلاً. وفي الوقت الذي تركز فيه إدارة التغيير على المؤسسة بشكل كلي، وعلى ما سيكون مختلفاً، وإلحاحية الاتصال، تركز إدارة الاستقرار على الفرق المحلية، وعلى ما سيكون مستمراً، وواقع الاتصال. وتعدّ الفرق مصدر جزء كبير من الاستقرار لأعضائها. وخلص الفريق البحثي الذي توليت قيادته في شركة «سيسكو» للتكنولوجيا إلى 3 مجموعات من الظروف يمكنها التنبؤ على النحو الأفضل بأداء الفريق:
ـ تتعلق المجموعة الأولى بإسهام الفرد، وبما إذا كان يدرك المتوقع منه، وما إذا كان يستغل نقاط قوته باستمرار... وما إلى ذلك.
ـ تتعلق المجموعة الثانية بالفريق ككل... مثلاً، ما إذا كان أعضاؤه يدعم بعضهم بعضاً، وما إذا كان لديهم إدراك مشترك لفكرة التفوق.
ـ ترتبط المجموعة الثالثة من الظروف بالصلة الرابطة بين الفريق والمؤسسة الكبرى... على سبيل المثال؛ ما إذا كانت المهمة التي تكلف بها المؤسسة الفريق تبدو مثيرة لأعضاء الفريق.
واكتشف باحثو «سيسكو» أن كلاً من هذه المجموعات الثلاث من الظروف (المتعلقة بالإسهامات الفردية وبيئة فريق العمل وبيئة الشركة) تتنوع من فريق لآخر. ومع أن اثنتين من هذه المجموعات (تلك المتعلقة بالفرد والأخرى المتعلقة بالشركة) لا يبدو، ظاهرياً، أن هناك ما يربطهما بقوة بالفريق، فقد اتضح أن الفريق كان الوسيط الأهم في هذه الظروف.
علاوة على ذلك، لم تهتم دراسات «سيسكو» بالفرق فحسب؛ وإنما كذلك بالأداء، واتضح أن مجموعات الظروف المختلفة هي التي ميزت الفرق الأعلى أداءً. أما الاستقرار، فيبدو السمة الثابتة فيها جميعاً. بوجه عام، فإن إدراك طبيعة التوقعات أو القدرة على العمل بفاعلية يسهم إيجاباً في خلق شعور بالقدرة على التنبؤ بالمتغيرات. كما أن الحصول على دعم المحيطين يسهم في بناء شعور بالانتماء. وأيضاً استيعاب الصلة بين عملنا اليومي وتأثيره على المؤسسة بشكل كلي، يضفي معنى على عملنا. وتسعى إدارة الاستقرار إلى الحفاظ على الفرق الجيدة، ودعم قيادات الفرق في بناء فرق ناجحة، وتنظر إدارة الاستقرار إلى الفريق بصفته الوحدة الأهم داخل المؤسسة.
في ما يتعلق بما تفعله فرق العمل لخلق شعور بالاستقرار، عثر بحثي الأخير على كثير من الحالات التي خرجت فيها فرق عن مسار العمل المعتاد لإظهار تقديرهم لطقوس بعينها. وقد شرح لي البروفسور بكلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة هارفارد، مايكل نورتون، أن البشر، عامة، يستخدمون الطقوس بوصفها أدوات حاكمة للعاطفة. والواضح أن الفرق ليست استثناءً على هذا الصعيد.
من بين الفرق التي تعرفت إليها، كان هناك فريق أقر قائده طقس الدعم المتبادل، بمعنى أنه مع بداية كل أسبوع كان أفراد الفريق يبدأون عملهم بمكالمة سريعة يتشارك في إطارها أفراد الفريق المهام الموكلة إليهم، وما إذا كان أي منهم بحاجة إلى المساعدة، وينتهي الأسبوع بمكالمة يشكر فيها الأعضاء علانية من قدموا لهم الدعم. واتضح أن هذا الطقس المتبع من أفراد الفريق يسهم في السيطرة على مشاعر الضغط والتوتر وغياب الانتماء.
هنا؛ لدى قادة المؤسسة دور محوري في إدارة الاستقرار، خصوصاً أن بإمكانهم العمل على ضمان استيعاب قادة فرق العمل دورهم في مجال تعزيز الاستقرار، وتدريبهم على هذا الدور. ويمكنهم كذلك العمل على ضمان أن الاتصال المؤسسي يعزز الاستقرار، من خلال ضمان أن هذا الاتصال مكتوب بلغة واقعية، ويربط الغد بما يجري إنجازه اليوم.
* خدمة «نيويورك تايمز»