تُستجد فصول عجيبة ضمن أبواب «سيرة (الحرب) في اليمن» تؤكد أن «لا مستحيل ولا مستحي» هناك؛ لا سيما أن حقول السياسة وميادين الحرب تسودها حيل وأخلاقيات -لا أخلاقية دائماً- تُنبئ بتقلبات ومتغيرات يغدو معها المستحيل ممكناً بلا حياء. فلا حياء في السياسة والحروب.
هذه «السيرة» زاخرة بوقائع وأمثولات نادرة، تتبارى كل الأطراف على اجتراحها كمعجزات تدفعهم إلى إعجاب مفرط بأنفسهم، يصدق عليه عجب صاحب النشيد الوطني عبد الله عبد الوهاب نعمان: «هؤلاء الناس كم يُعَجبني... أن يروا في زيفهم مجداً مجيداً»، يملأ فصول «السيرة» ويفتح «أبواب» استغراب من تصرفات ليست أقل طفولية من مناظرة الانتخابات الرئاسية الأميركية في 28 يونيو (حزيران) 2024 التي غاب عن محاوريها اليمن والبحر الأحمر، ما يوحي بهامشية الملف -بكل أسف- على عكس ما تناظروا حوله وشغلهم من محاور وملفات.
فضلاً عن أن بعض أطراف «اليمننة»، كغيرهم من أطراف بقية الظواهر القديمة والمستجدة، اتبعوا ويتبعون نهج «الضرائر» بما ينطوي عليه من إضرار عام، وتعريض وتشهير وتضليل للرأي العام لصرفه عن جوهر المشكلة.
إن سلوك ضرائر السياسة يَنُمُّ عن مكابرة وانعدام مسؤولية تجاه المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرتهم، كما يضرون بمصالح المواطنين خارج نطاق سيطرتهم، متوهمين الدفاع عن الاستقلال والسيادة.
كيد «الضرة» المنطوي على «مَضرة» الآخرين بدا من جماعة «أنصار الله/ الحوثي» في صنعاء، منذ سَيَّروا مُسيَّراتهم إلى مواني النفط في حضرموت والمكلا، منذ سنتين، وما زالوا يحاولون دخول مأرب، منذ 3 سنين، طمعاً في نيلهم «خُمس» عوائد النفط... وأخيراً في صنعاء صادروا سكن محافظ البنك المركزي أحمد غالب، بعدما استُفِزوا بقرارات تخص البنك المركزي اليمني والشأن الاقتصادي.
ثم لما وجَّهت وزارة النقل لدى الحكومة «المعترَف» بها دولياً، بتوريد ملايين الدولارات من حسابات مالية خاصة بشركة «الخطوط الجوية اليمنية» ضمن مناطق سيطرة الحكومة «المعترَض» عليها دولياً، مضت الأخيرة مجدداً في تجانب أصول الحياء و«تقهر» المستحيل، بأن أضافت إلى «فصل: الضغوط» ضمن «السيرة» مشهد خطف 4 طائرات من أسطول الطيران اليمني كـ«رهينة» (...) ليبدو تحريرها عوضَ أسرى الحرب ورهائن الصراع السابقين الذين تحقق «اختراق» بشأنهم خلال أول أسابيع يوليو (تموز) 2024، بجولة تفاوض في مسقط، انتهت إلى تمهيد لقاء تكميلي خلال شهرين، برعاية مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، ما لم يُستجَد ويُرهن شيء آخر.
«الطائرات الرهينة» تُذكِّر برواية يمنية شهيرة تُرجمت لأكثر من لغة، اسمها «الرهينة» للأديب زيد مطيع دماج، دونت نشأة ابن عمه «أحمد قاسم» رهينة في قصر الإمام، جرياً على نهج الأئمة والعثمانيين سابقاً أثناء حكم اليمن، بإخضاع وجهاء القبائل من شيوخ و«نقباء» عبر اتخاذ عدد من أبناء رؤساء القبيلة والأسر الكبيرة كرهائن، ضماناً لعدم التمرد.
كوضع اليمن، الصورة مقلوبة تُعبِّر عن «كوميديا سياسية يمنية»، فالمتمردون هم من يريدون ضمان عدم تمرد الحكومة (...) برهن الطائرات، دونما مبالاة واكتراث بمصائر وأحوال آلاف الحجاج العالقين والعالقات في جدة -لأيام- وكذا آلاف المسافرين من يمنيين ويمنيات في عمان، ممن حزموا حقائبهم للرجوع إلى صنعاء، أو ممن تأهبوا للسفر منها، ثم علقوا -لأيام أيضاً-.
ماذا؟ «آلاف» و«أيام»... أمرٌ هين: «الملايين» اعتادت تجرع المعاناة وويلات اللامبالاة لـ«سنوات»!
حين تكشف «سيرة الحرب في اليمن» عن حياء بعض الأطراف، سيتسنى تحييد مسائل متصلة بجوانب إنسانية، يُرفَع قميصها ممن يُنتَظر منه إثبات إنسانيته (...). بقليلٍ من الحياء لن يكون السلام لليمن مستحيلاً.