علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ما بين طرحين

استمع إلى المقالة

نتحدث اليوم عن طرح شركة «أرامكو» الثانوي الذي أقفل نهاية الأسبوع الماضي، وقد سبق ذلك طرح أوَّلي للشركة، و«أرامكو» حتى قبل الطرح شركة عالمية. في أثناء الطرح الأوّلي كثرت الأصوات التي تدَّعي حب السعودية أو ربما تحسدها قائلةً إن السعودية تبيع الدجاجة التي تبيض ذهباً، وإن السعوديين يبيعون ثروتهم النفطية التي في باطن الأرض والتي هي سبب ازدهار اقتصادهم ورفاهيتهم! ويبدون إخلاصاً شديداً وحسرة على تفريط السعودية بثروتها للأجانب.

في الطرح الثانوي لم نعد نسمع مثل هذا الكلام أو على الأقل أصبح خافتاً بحيث لم يعد يُسمع. ونقول لهؤلاء إن الممارسات العالمية أثبتت نجاح مثل هذه الطروحات؛ فهذه شركة «شل» تتداول أسهمها في الأسواق العالمية منذ عشرات السنين ولم نرَ بأساً في ذلك.

ونزيد هؤلاء من الشعر بيتاً، إذ إنني أنادي من هذا المنبر بأن تطرح السعودية 49 في المائة من أسهم شركة «أرامكو»، فلن يضير ذلك السعودية التي ستملك حصة أغلبية في الشركة، كما أن عوائد الطرح ستُستثمر في جوانب اقتصادية أخرى قد يكون عائدها أفضل من الاستمرار في الاستثمار في «أرامكو»، حتى وإن كان الاستثمار في «أرامكو» جيداً، كما أن الطرح الثانوي لسهم شركة «أرامكو» يزيد سيولة السهم ويخلق توازناً سعرياً للسهم في السوق، وكل طرح لسهم شركة «أرامكو» يعزز من دخول السهم للبورصات العالمية.

تغطية اكتتاب «أرامكو» المخصص للشركات المالية في الساعات الأولى من الطرح وحصول المستثمرين الأجانب على 23 في المائة منه يدل على ثقة المستثمر الأجنبي في شركة «أرامكو» تحديداً وفي الاقتصاد السعودي بشكل عام.

دائماً السعودية ودول الخليج سبَّاقة إلى الأفكار الجريئة، وعادةً ما يتبع منتقدوها خطواتهم، ولكنهم للأسف متأخرون. مثل هذا الوضع ليس غريباً على عالمنا العربي، فقد انتُقدت مصر حينما بدأت بتخصيص بعض مرافقها إنقاذاً لاقتصادها، وظهرت أصوات تندد بخطوة مصر وأنها تبيع أصولها ولكنها لا تضع الحلول، رغم أن تخصيص بعض المرافق يُزيح عن كاهل الدولة إدارة المرفق وأعبائه ويزيد من كفاءة المرفق التشغيلية، ولكنَّ هذه الأصوات دائماً ما تنتقد دون تقديم الحلول أو هي غير واعية لتغير الاقتصاد وتحوله من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وبالتالي تحوله إلى شركات مساهمة مقفلة أو مساهمة عامة، وفي كلتا الحالتين فإنه يدار بكفاءة عالية وصولاً إلى الربحية.

وفي حالة التحول إلى شركة مساهمة عامة فإن ذلك يزيد الشفافية، لأن الشركات المساهمة العامة مجبَرة على نشر قوائم مالية ربع سنوية تجعل عملها معروفاً لدى العامة والخاصة. فإلى طرح ثانوي آخر لشركة «أرامكو». ودمتم.