د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الاقتصاد في الرياض

استمع إلى المقالة

افتتح بالأمس اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي بالرياض، الذي يُقام لأول مرة خارج مدينة دافوس، وفي المملكة العربية السعودية... عنوان هذا الاجتماع هو «التعاون الدولي والنمو والطاقة من أجل التنمية»، وحضره قادة الدول، وكبار المسؤولين من حكومات العالم وكبريات الشركات العالمية في قطاعات متعددة. ومنذ الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، التي حضرها رئيسا نيجيريا ورواندا، ورئيس وزراء ماليزيا، ومديرة صندوق النقد الدولي، اتضح أن الصراحة والشفافية هما ما يحتاجه العالم في الوقت الحالي، لا سيما وهو يتلقى الصدمات الاقتصادية بشكل متوالٍ منذ أكثر من 4 سنوات.

ولعل هذه الجلسة عالية المستوى اتسمت بالجرأة أكثر من الدبلوماسية، فالرئيس الرواندي أوضح أن العالم يحتاج إلى أن يكون صريحاً مع احتياجاته، ومع ما يراه مناسباً لمصلحته، ولم يخف ما تحتاج إليه القارة الأفريقية، ملخصاً ذلك في أمرين، وهما أن يستثمر العالم مع أفريقيا وأن تستثمر أفريقيا مع العالم، مبيّناً أن هذا الاستثمار لا بد أن يكون من الطرفين، وأن تؤمن أفريقيا بأنها طرف مساوٍ لغيرها في هذه المعادلة؛ وذلك لأنها أكبر منطقة في العالم تشهد ارتفاعاً في الطبقة المتوسطة، وفي المستقبل القريب قد تكون المنطقة الوحيدة التي تشهد ذلك؛ كل ذلك إضافة إلى ما تملكه من موارد طبيعية وبشرية. أما الأمر الثاني الذي قلّما يُسمع من قادة القارة السمراء، فهو أن القارة الأفريقية في حاجة للتخلص من عقلية الضحية لتتمكن من المضي قدماً في نموها الاقتصادي.

ولم يبتعد رئيس الوزراء الماليزي عن هذا المستوى من الصراحة، فبالحديث عن انقسام العالم بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، الذي لم ينكره سابقه الرواندي، فقد أكد أن هذا الانقسام موجود، ولكن الدول خارج هذه الانقسامات تفضّل البقاء على الحياد، والابتعاد عن الانحياز لجانب دون الآخر، موضّحاً أن غالبية دول الآسيان تتبع هذا المنهج، وعبّر صراحة أن دولته تريد العمل مع الصين الواعدة اقتصادياً، ومع كوريا واليابان، وهي كذلك تريد العمل مع الغرب، ولا تريد لأي من هذه الأطراف فرض أجندتها ومشاكلها السياسية عليها في التبادل التجاري، موضحاً أن بلده لديه ما يكفيه من مشاكله الداخلية، ولا يريد التدخل في مشاكل إضافية تعيقه عن التقدم والازدهار.

أما مديرة صندوق النقد الدولي، فقد تحدثت عن النمو الاقتصادي، وعن النظر بواقعية للعالم الذي سيشهد هذا العام نمواً اقتصادياً لن يزيد على 3.2 في المائة، وهو أقل من المعدل التاريخي 4 في المائة، ونظرت بتفاؤل إلى المستقبل، رغم كل ما يشهده العالم من مشكلات في هذا اليوم، ودللت على هذا التفاؤل بما حققه العالم خلال المائة عام الماضية؛ فرغم الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، وجميع الحروب والانقسامات الأخرى التي شهدها العالم، فقد تضاعف معدل الأعمار في العالم تقريباً، وزاد الدخل لكل فرد 8 مرات، رغم أن سكان العالم زادوا نحو 3 مرات، ولم يحدث هذا إلا بالتكاتف العالمي وسعي الدول نحو التقدم والازدهار، وأكدت مديرة صندوق النقد على أن السياسة النقدية للدول، وسياسة الدين العام، هما أهم ما يمكّن الدول من تحقيق أهدافها الاقتصادية.

إن كل ما نوقش في الجلسة الافتتاحية من قادة الدول والمنظمات، جاء في الوقت المناسب لما يشهده العالم من اضطرابات وانقسامات، وفي المكان المناسب أيضاً في الرياض، التي تحتفل بمنتصف الطريق نحو «رؤية المملكة 2030»؛ فبشهادة الحضور عالي المستوى، تمكّنت المملكة من تحقيق جميع ما تحدثوا عنه، فالمملكة أدركت أهميتها في العالم بما تملكه من موقع جغرافي، وثروة بشرية، وموارد طبيعية، مكّنتها من اختيار موقعها في العالم مؤمنة، كما أن المملكة لم تنحز إلى قوة دون الأخرى، فخلال الأعوام الماضية بنت جسور التعاون مع الشرق والغرب والشمال والجنوب، وعززت من علاقاتها التجارية مع جميع الدول التي تتشارك معها المصالح الاقتصادية، دون فرض الأجندات السياسية أو الثقافية، وباحترام لقيم جميع الدول. وأخيراً فالمملكة ورغم كل ما واجهته من صعوبات وتقلبات خلال العقد الأخير، فإنها وبسياسة اقتصادية حصيفة تمكنت من النمو الاقتصادي المتوازن، ومن تحقيق الاستدامة والتنوع الاقتصادي، وهو مزيج قلّما تحققه الدول، ويحق للمملكة الاحتفاء به بحضور المجتمع الاقتصادي الذي طالما نادى بهذا المزيج النادر.