ميشيل غولدبرغ
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

فيلم «الحرب الأهلية» واستحضاره المرعب للانهيار الأميركي

استمع إلى المقالة

عندما ذهبت لمشاهدة فيلم أليكس غارلاند الجديد والمذهل «الحرب الأهلية»، توقعت أن أكون منزعجاً من عدم معقولية فرضية الفيلم. أنا لا أتحدث عن فكرة أن أميركا يمكن أن تتحول إلى صراع مسلح شرس. ويبدو هذا ممكناً، إن لم يكن محتملاً. في أحد استطلاعات الرأي لعام 2022، قال 43 بالمائة من الأميركيين إنهم يعتقدون أن اندلاع حرب أهلية خلال العقد المقبل هو على الأقل محتمل إلى حد ما. لن أذهب إلى هذا الحد، ولكنني لن أُفاجأ إذا تصاعد العنف السياسي بعد الانتخابات المقبلة وخرج عن نطاق السيطرة في نهاية المطاف. ومع ذلك، أنا واثق تماماً من أنه إذا كان هذا النوع من الحرب الذي يصوره غارلاند قد اندلع بالفعل في هذه الأمة المحاصرة، فإن كاليفورنيا وتكساس لن تكونا على الجانب نفسه.

تلقى فيلم «الحرب الأهلية» الكثير من المراجعات المتملقة، غير أن غارلاند تعرض أيضاً لانتقادات واسعة النطاق بسبب تجاهله القوى الآيديولوجية التي تدفع أميركا إلى الانقسام. وقد تحدث مراراً وتكراراً عن مخاطر الاستقطاب، وهو أمر يشبه حالة التملص، نظراً لأن حزباً سياسياً أميركياً واحداً فقط لديه قادة يؤيدون التمرد العنيف. في هذا الشهر، نشرت شركة «إيه 24»، وهي شركة إنتاج الأفلام المستقلة القوية التي تقف وراء فيلم «الحرب الأهلية»، خريطة للفرق الخيالية للفيلم على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عنوان «تعهد بالولاء». لقد أظهرت انقساماً في أميركا بين الولايات الموالية، يمتد من الساحل الشرقي عبر وسط البلاد؛ و«تحالف جنوب فلوريدا»؛ و«القوات الغربية الانفصالية» في كاليفورنيا وتكساس؛ و«جيش الشعب الجديد» في الشمال الغربي، الذي يبدو أنه «ماوي» بشكل غامض.

هذا يشير إلى وجود عالم خيالي تشكل فيه ميليشيات اليمين المتطرف والجماعات المناهضة تهديدات مماثلة، وهو انطباع تعززه بعض تعليقات غارلاند في «ساوث باي ساوثوست»، المهرجان الثقافي في أوستن، تكساس، حيث ظهر فيلم «الحرب الأهلية» للمرة الأولى. وقال: «لدي موقف سياسي، ولدي أصدقاء طيبون على الجانب الآخر من هذا الانقسام السياسي. بصراحة، أنا لا أحاول أن أكون لطيفاً. ما الصعب للغاية في ذلك؟».

الجواب الواضح هو أن الخلاف الودي بين اليسار واليمين ممكن حول بعض القضايا من دون غيرها، لا يوجد نقاش مثمر يمكن إجراؤه حول، على سبيل المثال، ما إذا كان المهاجرون «يسممون دماء» البلاد. وقد بدا لي أن إدانة غارلاند للتطرف بشكل عام - على عكس نوع التطرف الخاص الذي يقف وراء أكثر أعمال العنف السياسي الأخيرة دموية في أميركا - تبدو لي مرحة بعض الشيء وساخرة إلى حد ما، كما لو كان يريد أن يعرض فيلماً استفزازياً للغاية، ولكن لا يجازف بإهانة الجماهير المحتملين. إذا كنت ستسلط الضوء الدرامي على العديد من أسوأ مخاوفنا بشأن مسار السياسة الأميركية، فأعتقد أنه يجب عليك أن تأخذ جوهر هذه السياسة على محمل الجدية.

لكن الآن، وبعد أن شاهدت فيلم «الحرب الأهلية»، الذي لا يتسم بالسطحية أو السخرية، فإن قرار غارلاند الإبقاء على سياسة الفيلم غامضة بعض الشيء يبدو مصدراً لقوته. يجب أن يكون التركيز هنا على «القليل»، لأنه، على عكس بعض ما قرأته، فإن قيمه ليست مبهمة، بل مجرد بالية بعض الشيء. أجل، هنالك إشارة، في وقت مبكر، إلى «الماويين في بورتلاند». نعلم أن بطلة الفيلم، المصورة القتالية الباسلة والمصابة بصدمة نفسية، واسمها «لي»، تشتهر بتصوير «مذبحة حركة أنتيفا: حركة احتجاج يسارية معارضة للفاشية والنازية ومناهضة للرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف»، ولكننا لا نعرف أبداً ما إذا كان أعضاء الحركة هم الجناة أم الضحايا. مع ذلك، فإنه ليس من قبيل المبالغة تفسير الفيلم بأنه دليل على هاجس كيف يمكن لبلد مضطرب وملتهب أن ينهار تحت وطأة عودة دونالد ترمب إلى الحكم.

مع بدء فيلم «الحرب الأهلية»، يلقي الرئيس الأميركي لولاية ثالثة - وهو رجل ستتم مقارنته لاحقاً بالديكتاتور موسوليني، ونيكولاي تشاوشيسكو، ومعمر القذافي - خطاباً مُتَبَجّحاً: «نحن الآن أقرب إلى النصر من أي وقت مضى»، كما يقول كاذباً، مضيفاً: «يدعوه البعض الآن أعظم انتصار في تاريخ الجنس البشري». ولا يُقلد الممثل نيك أوفرمان، الذي يلعب دور الرئيس، سلوكيات ترمب، ولكن الصياغة -الغلو السخيف والكاذب المنسوب إلى أطراف ثالثة مجهولة- مألوفة للغاية. بعد هذا المشهد بفترة وجيزة، يتخيل أحد الصحافيين أنه يسأله ما إذا كان حل مكتب التحقيقات الفيدرالي كان خطأ، في استعادة للأحداث الماضية.

الدافع وراء أحداث فيلم «الحرب الأهلية» هو سعي «لي» وزملائها للوصول من نيويورك إلى العاصمة واشنطن، من أجل تصوير الإطاحة بالرئيس عبر التقدم السريع لقوات المتمردين. (خط المواجهة، في ملاحظة لها وقعها، يوجد في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا). في المشهد الأكثر إثارة للحزن في الفيلم، يسأل جندي شبه عسكري كل صحافي من الصحافيين من أين جاءوا. «لي» من ولاية كولورادو، والمراسلة الأصغر سناً التي اتخذتها كمتدربة على مضض هي من ولاية ميسوري. بالنسبة للجندي، فإن هؤلاء النسوة، اللواتي هن، مثله، ذوات البشرة البيضاء، هن النوع الصحيح من الأميركيين. الآخرون في حزبهم غير مؤهلين.

بالنظر إلى هذا الإعداد، يساعد عدم التحديد الآيديولوجي للمتمردين على تجنب الظهور بمظهر تخطيطي أو تعليمي. لأن «الحرب الأهلية» فيلم مناهض للحرب؛ فلا يفترض بك أن تؤيد أي جهة إلا الصحافيين الذين يشهدون ما يجري.

لكن جزءاً مما يجعل الأمر مثيراً للغاية أنه بقطع النظر عن التحالف غير المحتمل بين كاليفورنيا وتكساس، فإن قصتها لا تتطلب الكثير من التفسيرات حتى تتسم بالمنطقية. قال غارلاند إن الديناميات التي صُورت في فيلم «الحرب الأهلية» ليست خاصةً بالولايات المتحدة، ولكنه لو حاول إنتاج فيلم مماثل عن مسقط رأسه إنجلترا، لكانت هناك حاجة إلى مرويات سردية أكثر بكثير لإظهار كيف تحول المواطنون هناك إلى قتال بعضهم البعض، ناهيكم عن مصدر جميع الأسلحة الثقيلة. في أميركا، نحتاج إلى أقل قدر من الإشارات على الطريق من حاضرنا المضطرب إلى الانهيار المتخيل. لا تبدو مخيمات اللاجئين في الفيلم مختلفة تماماً عن معسكرات الخيام في العديد من المدن الأميركية. والرجل شبه العسكري، في ملابسه ونظارته الحمراء، يمكن بسهولة أن يكون من أعضاء حركة «صبية بوغالو: حركة سياسية يمينية متطرفة معادية للحكومة الأميركية»، أو حارساً من حركة «حراس القسم: ميليشيا يمينية متطرفة مناهضة للحكومة الأميركية». المعركة التي بلغت ذروتها في العاصمة واشنطن هي نسخة أكثر حدةً من المشاهد التي شهدناها في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

تقول الصحافية «لي» في وقت مبكر من الفيلم: «في كل مرة نجوتُ فيها من منطقة حرب وحصلتُ على الصورة، اعتقدتُ أنني أرسل تحذيراً إلى الوطن: لا تفعلوا ذلك». ويرفع فيلم «الحرب الأهلية» تحذيراً مماثلاً. إنها قريبة بدرجة كافية من موضع أميركا الآن، حيث لا نحتاج إلى غارلاند لملء كل الفراغات.

*خدمة «نيويورك تايمز»